ملفات خاصة

 
 
 

قضية غزة تثير سجالا سياسيا في مهرجان برلين

فيلم "الطابع الزمني" يكشف الوجه اليومي لمأساة اوكرانيا

هوفيك حبشيان 

برلين السينمائي

الدورة الخامسة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

ملخص

أنواع عدة من الأفلام تتصارع هذا العام في مهرجان برلين (13 - 23 فبراير/ شباط)، كما هي الحال دائماً في التظاهرات السينمائية من هذا الحجم.  لكن اللافت هو السجال السياسي الذي أثارته قضية غزة في أوساط المهرجان.

ثمة نوعان سينمائيان يتصدران المشهد العام في مهرجان برلين: نوع يميل إلى مبدأ "الفن للفن"، أي إن كيفية قول الأشياء أهم من القول نفسه، ونوع يحمل خطاباً واضحاً صريحاً، كثيراً ما يكون متناسلاً من قضية سياسية، وينقله إلى المشاهد بفهمه المحدود للسينما، وبأدوات فاقدة للخيال، كثيراً ما كان الـ"برليناله" مهرجاناً مسيساً، بنى سرديته على فكرة تحسين العالم من خلال الفن، وهذا الشيء فتح الأبواب واسعاً أمام الكثير من الأفلام التي لا تستحق الإضاءة عليها، هذا الحدث الثقافي والفني الذي أسهم في توحيد الألمانيتين كان طوال تاريخه، ومنذ الحرب الباردة، ساحة حرب، يرتفع صوت المعركة ويخفت، بحسب التوترات والاصطفافات السياسية التي يشهدها العالم. 

إحداث بلبلة وإثارة جدال من خلال مناقشة بعض القضايا أهداف شرعية عند منظمي نشاطات ثقافية مثل هذه، وهي كذلك أيضاً عند العديد من السينمائيين الذين لما سمع أحد عنهم، لولا ضربهم وكر الدبابير، وإذا أمعنا النظر في العديد من أفلام الدورة الـ75، نجد أنها تتناول مواضيع خلافية وشؤوناً سجالية، كصعود أقصى اليمين والتغير المناخي والحرب الروسية - الأوكرانية والصراع العربي الإسرائيلي.

الصراع الذي يعيش الشرق الأوسط على وقعه منذ منتصف القرن الماضي حضر مجدداً هذا العام من خلال عرض فيلم "رسالة إلى ديفيد" للمخرج الإسرائيلي توم شوفال، الفيلم رسالة سينمائية إلى ديفيد كونيو، المحتجز في غزة منذ اختطافه في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، بعد أكثر من عقد على ظهوره في أول فيلم لتوم شوفال، "شباب"، قرر المخرج المزج بين لقطات الماضي والحاضر، لرد الاعتبار إلى ممثله وما عاشه، لكن المهرجان تعرض لهجوم بسبب النحو الذي يجسد فيه حرب غزة التي قضى فيها الآلاف، من خلال الركون إلى وجهة النظر الإسرائيلية.

لفت المنتقدون إلى حقيقة أن المهرجان اختار الإضاءة على قصة الممثل الإسرائيلي ديفيد كونيو المختطف على يد "حماس"، من دون تقديم وجهة نظر فلسطينية تعادلها، صحيح أن هناك ما يثير الإزعاج في هذا الشأن، خصوصاً أن بعض الأفلام "المدسوسة" هي أصلاً أدوات دعائية متنكرة، ولكن هناك مبررات جمالية أيضاً تحول دون اختيار المهرجان أفلاماً لا يراها تنسجم مع خطه التحريري، هذا كله أدى إلى اتهامات للمهرجان بالانحياز للرواية الإسرائيلية المدعومة من الغرب، بخاصة في ظل المناخ السياسي في ألمانيا، حيث تُفرض قيود على الأصوات المؤيدة لفلسطين.

 معاداة السامية

في المقابل لم يسلم المهرجان من اتهامات بمعاداة السامية، مما يوحي بأنه وقع بين سندان الداعمين لفلسطين والواقفين في صف إسرائيل، حدث هذا بعدما اعتلى المخرج الصيني جون لي المسرح خلال عرض فيلمه "كويربانوراما" المعروض في قسم "بانوراما"، وقرأ خطاباً للممثل الإيراني عرفان شيكاريريز (الذي يشارك في الفيلم والذي قرر مقاطعة المهرجان وعدم الحضور)، يدين فيه التواطؤ الألماني مع إسرائيل، متهماً الدولة العبرية بارتكاب جرائم حرب ضد مدنيين، مختتماً كلمته بـ"من النهر إلى البحر"، فاحتج بعض من الذين كانوا في الصالة، مشيرين إلى عدم وجود أي ديمقراطية في الصين أصلاً! 

هذا الحدث خلق جدالاً واسعاً، وأشارت صحف ألمانية إلى أن الرسالة التي نقلها المخرج "تدعو إلى تدمير إسرائيل"، الشعارات التي وردت فيها اعتبرتها السلطات الألمانية معادية للسامية، وحمل ذلك جهاز الأمن السياسي في مكتب التحقيقات الجنائية التابع للشرطة، إلى فتح تحقيق، مما أثار نقاشاً أوسع حول حرية التعبير في ألمانيا، حيث يُقمع الخطاب المؤيد لفلسطين بشكل متزايد، بينما نأى منظمو المهرجان بأنفسهم عن هذه التصريحات، ومع ذلك تعرضوا لانتقادات بسبب سماحهم بمثل هذا الخطاب داخل المهرجان.

وجه آخر من حرب أوكرانيا

الحرب الأوكرانية التي تدخل في منعطف جديد مع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، هي الأخرى حضرت إلى "البرليناله"، مع فيلم "الطابع الزمني"، الوثائقي الوحيد المعروض داخل المسابقة، أنجزته الأوكرانية كاترينا غورنوستاي، ملقية نظرة مغايرة على ما تتعرض له بلادها منذ ثلاثة أعوام، فهي لم تصور الحرب بل تأثيرها في الحياة اليومية للطلاب الأوكرانيين، بدلاً من التركيز على مشاهد العنف المباشرة، يستعرض الفيلم التأثيرات النفسية على الطلاب والمعلمين، بعيداً من ساحات القتال، دعم المهرجان هذا الفيلم اعتبر بمثابة موقف سياسي واضح لمصلحة أوكرانيا، وهو ما لاقى إشادة من البعض وانتقادات من آخرين اعتبروا أن المهرجان يعزز رواية غربية منحازة ضد روسيا، خصوصاً أنه كثيراً ما وقف في صف زيلينسكي، فاتحاً له المجال لقول كلمة خلال حفلة افتتاح إحدى الدورات السابقة.

تقول المخرجة غورنوستاي إنها ركزت على التجارب المدرسية العادية والبسيطة، مثل الدموع خلال مراسم الجرس الأول، أو لعب طالب دور بابا نويل، أو الأشرطة الملونة في أيدي المخرجين، وتضيف: "هذا كله يأتي بالطبع في سياق الحرب: يدرس الطلاب في الكثير من الأحيان في الملاجئ خلال الإنذارات، ويعرض المدرس في الفيلم الجزء المدمر والمغلق من المدرسة، بينما تستمر الدروس في جناح آخر، وفي حفلة تخرج عبر الإنترنت يدق الجرس الذي أُنقذ من باخموت بعدما كانت تحت الاحتلال الروسي".

المناخ السياسي في ألمانيا والمخاوف من صعود اليمين المتطرف ألقيا بظلالهما أيضاً على الـ"برليناله" هذا العام، استغلت الممثلة الألمانية الشهيرة هانا شيغولا التي تؤدي دور صاحبة نزل في "يونان" للمخرج السوري الفلسطيني أمير فخر الدين، حضورها في المهرجان للتحذير من تصاعد نفوذ حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، الذي تزداد شعبيته مع اقتراب الانتخابات التي ستجرى الأحد المقبل، وأكدت في خطابها أن ألمانيا قد تكون على وشك تكرار أخطاء الماضي إذا لم يُواجه صعود هذا الحزب، بينما لاقت كلماتها دعماً من كثيرين، فاعتبرها البعض الآخر نوعاً من "التخويف اليساري" غير المبرر.

وانسجاماً مع الموقف المعادي لهذا الحزب كان المهرجان قد افتتح قبل أسبوع بفيلم "الضوء" للمخرج الألماني توم تيكفر، الذي يتناول قصة لاجئة سورية تحاول الاندماج في المجتمع الألماني، وعلى رغم الإشادة بجمالياته فالفيلم أثار انتقادات واسعة بسبب معالجته قضية الهجرة، فقد اعتبره منتقدوه خطاباً دعائياً لمصلحة سياسات الاندماج الحكومية، بينما رأى بعض الناشطين اليساريين أنه يعرض صورة مبسطة لمعاناة اللاجئين من دون التطرق إلى التعقيدات التي يعيشونها، وهذا ما يؤكد مرة جديدة وقوع المهرجان بين سندان المعسكرين النقيضين ومطرقتهما.

 

الـ The Independent  في 

21.02.2025

 
 
 
 
 

مهرجان برلين: "يونان" يجمع أسطورة ألمانية ونجماً لبنانياً في خلطة ثقافات

هوفيك حبشيان - المصدربرلين - النهار

 إنه هذا الرجل الشرقي المكسور، الغارق في الهم، يأتي من بلاد بلا اسم، ويحاول السيطرة على نزعاته الانتحارية.

"يونان" هو الفيلم العربي الوحيد الذي يعرض هذا العام في مسابقة مهرجان برلين السينمائي (13 - 23 شباط). إنه ثاني فيلم ينجزه المخرج الفلسطيني السوري المقيم في ألمانيا، أمير فخر الدين (34 عاماً)، الذي أبهرنا مع عمله السابق "الغريب" (البندقيـة 2021). أسباب عدة دفعت بإدارة الـ"برليناله" إلى إدراجه ضمن الأعمال السينمائية المنافسة على "الدبّ الذهب"، من بينها مشاركة الممثلة الألمانية الأسطورة هانا شيغولا في بطولته.

مع ذلك، يبقى السبب الأقوى هو الموهبة الفطرية التي لدى فخر الدين صناعة سينما شاعرية مغايرة تتطوّر خارج الأطر السائدة وموضة إفراغ القضايا من مضامينها. سينما قوامها نقل إحساسي الزمان والمكان، والأهم، تلك القدرة على بناء عالم متكامل بدأ يلوح في الأفق مع الفيلم السابق. فنحن مذ لحظة دخولنا إلى الفيلم، لا نشعر بغربة، إنما تغمرنا الألفة؛ ألفة التفاصيل التي تُشعرنا بأننا على أرض نعرفها. وهذا ليس مستغرباً، ذلك أن المخرج يقول إنّ "يونان" ليس سوى جزء ثان من ثلاثية بعنوان "وطن" انطلق فيها مع "الغريب".

أمير فخر الدين مخرج مهموم. هذا ما تراءى لنا من خلال فيلمه السابق، وهذا ما أصبح صريحاً وواضحاً في فيلمه الحالي. كلّ لقطة من لقطاته، تحمل في داخلها فكرة وإحساساً، معززة بحركات كاميرا كثيرة تتنقل بإيقاع روحاني، حاملة معها ثقل الوجود كله. لیست مجرد طريق تشق في الكادر، وإنما مسار الشخصيات.

بطل "يونان" هو المكان، وربما أكثر من مكان واحد. مكان خاص جداً: جزيرة. لكنها ليست من الجزر التي يحلو لنا قضاء إجازة فيها، بل إنها أشبه بإطلاله على حافة العالم. هنا، لا يحدث الكثير، إذ تقتصر الحياة على نزل تقيم فيه سيدة (هانا شيغولا) وابنها وبعض الناس. في هذا المكان شخصيات عدة تتعايش كلها تحت بركة  الطبيعة ونزواتها: الهواء، السماء، الماء، الأعشاب البرية، الرمال... كم جميل رؤيتها بمعزل عن البشر وقوانينهم. هم عابرون وهي أبدية. تنتفض منذ الأزل، وستظل تنتفض إلى نهاية الأزمنة. دعونا لا ننسى الأصوات الكثيرة التي تعبر شريط الفيلم وتعزّز تفاعلنا السمعي مع الأحداث. الأذن ترى ما لا تسمعه العين.

عن فكرة الأرض والمكان وتحويلهما استعارة، يروي فخر الدين أنه اكتشف ظاهرة "الأرض تحت الأرض"، حيث يبتلع البحر الأرض فقط ليسمح لها بالظهور مرة أخرى: "لم يكن الأمر مجرد مشهد، وإنما بدا كأنه استعارة مثالية لإيقاع القصّة: الغمر والخسارة والعودة ما يختفي لا يختفي إلى الأبد، لكنه لا يعود من دون تغيير. أصبحت هذه الفكرة محورية في كيفية تعاملي مع الفيلم".

وصول منير (جورج خباز) إلى الجزيرة سيحدث فجوة في الجدار. منير كاتب مقيم في هامبورغ (على غرار فخر الدين) يعاني ضيق تنفس بسبب حالته النفسية، مما ينعكس على قدراته الكتابية والجنسية. إنه هذا الرجل الشرقي المكسور، الغارق في الهم، يأتي من بلاد بلا اسم، ويحاول السيطرة على نزعاته الانتحارية. بعدما ينصحه طبيبه بالراحة، يتوجه إلى تلك الجزيرة الواقعة في الساحل الشمالي لألمانيا خلال إقامته فيها، واحتكاكه مع شخصيات تختلف عنه همّاً وثقافة وتجربة، سنتسلّل إلى أعماق مخيلته. دهاليز الذاكرة واللحظات المستعادة ستفتتح على مصراعيها، وذلك في مشاهد صارخة بغنائيتها وشاعريتها.

بعد "الغريب"، هذا فيلم آخر عن الحدود والفواصل؛ عن الذي يعيش من دون أن يكترث كثيراً، والذي يحتاج إلى سبب ليكون مشرّعاً وجوده على هذه الأرض. نتلقى معاني الفيلم بحواسنا بطول أناتنا، بانزلاقنا التدريجي إلى عقل سينمائي يحاول إيجاد بقعة مشتركة بين الأراضي والأشخاص والذاكرة، ضمن قصيدة بصرية عن الانتماء والاغتراب والعزلة، يصعب شرحها، ولكنه يفتح الباب واسعاً أمام كل التفسيرات الممكنة.

 

النهار اللبنانية في

21.02.2025

 
 
 
 
 

«أحلام» سينمائية و«كوابيس» سياسية!

طارق الشناوي

كل شىء فى مهرجان (برلين) صار مغموسا فى السياسة، كل مهرجانات الدنيا ومنذ نشأتها لا تخلو من سياسة، بل كانت البدايات لكل المهرجانات تعبر عن توجه سياسى تؤيده أم تعاديه، وانعكس على اختيار الأفلام والتظاهرات والتكريمات، ورغم ذلك يجب أن يظل للسينما بكل جماليتها الصوت الأعلى.

لا يعلم كُثر، مثلا أن قرار انطلاق مهرجان القاهرة السينمائى الدولى عام ١٩٧٦ لعبت السياسة فيه دورا محوريًا، نعم كانت فكرة الكاتب والصحفى والأثرى الكبير كمال الملاخ من خلال جمعية (كتاب ونقاد السينما)، التى كان هو رئيسها ومؤسسها والشخصية المحورية (الكاريزمية) التى تكاثر حولها الجميع، أنا من القلائل الذين اقتربوا فى هذا الجيل من الأستاذ كمال، برغم هامش الخلاف، استوعبه الأستاذ الملاخ فى لحظات.

نعم (مهرجان القاهرة السينمائى الدولى) كان حلم الأستاذ كمال الملاخ، منذ الخمسنيات، ولكن إقامة المهرجان فى هذا التوقيت، جاء كقرار سياسى من الرئيس أنور السادات الذى طالب بسرعة الإعلان عن موعد مهرجان القاهرة، بعد أن علمت الدولة أن إسرائيل تنوى إقامة مهرجان سينمائى ضخم وأيضا معترف به تابع (للاتحاد العالمى للمنتجين) فى منطقة (الشرق الأوسط) مما يضيع على مصر الحصول على تلك العضوية للاتحاد الدولى الذى يشارك فيها كبرى المهرجانات مثل (كان) و(فينسيا) و(برلين).

أزيلت كل المعوقات المادية والأدبية لأن السادات منح الضوء الأخضر، حتى يبزغ المهرجان كحدث استثنائى تعيشه كل مصر. طلب أنور السادات من رئيس الوزراء ممدوح سالم افتتاح المهرجان، ولا يزال (القاهرة) محتفظًا بأنه المهرجان الوحيد فى (الشرق الأوسط) التابع للاتحاد العالمى للمنتجين.

مهرجان (برلين) انطلق بعد تقسيمها إلى شرق وغرب، بينما ألمانيا الشرقية أقامت مهرجانًا يحمل اسم مدينة (لايبزج) للفيلم التسجيلى والقصير، ولايزال هو الأهم فى هذا المجال، معبرًا بتوجهه عن اهتمام أكبر بالإنسان فى كفاحه..

فى هذه الدورة من (برلين) لا تزال السياسة تملك الكلمة العليا، المهرجان لديه موقف معلن، ضد الحكم الإيرانى، حتى إنه فى واحدة من دوراته أسند رئاسة لجنة التحكيم إلى المخرج المغضوب عليه فى إيران جعفر بناهى وهو أيضا ممنوع من السفر ومن ممارسة المهنة، حرصت الكاميرا يوم الافتتاح على تصوير مقعده شاغرا، حتى تصل الرسالة للعالم عن بطش السلطة بالمعارضين، وفى ٢٠١٤ حصل بناهى على (الدب الذهبى) عن فيلمه (تاكسى) الذى تم تصويره بدون علم الدولة وتهريبه إلى (برلين).

هذا العام كل شىء يقرأ من خلال ترامب، الانتخابات التشريعية فى ألمانيا تبدأ بعد ٢٤ ساعة فقط، من حفل ختام المهرجان بإعلان الجوائز، أتصور أن يوم الختام سيصبح مرتعًا للقراءة السياسية الكل سيمنح لخياله العنان، اشتعلت تظاهرة مؤخرا فى برلين احتجاجا على ترامب الذى أعلن تأييده لليمين فى ألمانيا والذى يتوافق مع قناعاته وتوجهاته الرافضة تمامًا للهجرة حتى الشرعى منها.

وتمت قراءة فيلم (أحلام) إخراج ميشيل فرنكوفى المشارك فى المسابقة الرئيسية، على هذا النحو، عن علاقة بين مدرب باليه يهرب من المكسيك إلى أمريكا وتتم مطاردته ويقع فى حب راقصة البالية (الباليرينا) وهى تعتبره مجرد أداة تشبع من خلاله نهمها.

التفسير المباشر كان سياسيًا بالدرجة الأولى تلك هى القراءة التى فرضتها اللحظة الراهنة، ترامب منذ عودته للبيت الأبيض بات يفتح نيرانه على الجارة المكسيك، حريصًا على تهجير الجيران من الأرض الأمريكية، وكل من لا يحمل إقامة معتمدة يتم إبعاده وهكذا بات فيلم (أحلام) فى تحليل القسط الأكبر من المتابعين للمهرجان هو المعادل الموضوعى للعلاقة السياسية بين أمريكا والمكسيك فى زمن ترامب!.

 

المصري اليوم في

21.02.2025

 
 
 
 
 

فيلم «لو كانت لديّ أرجل، لركلتك»… صرخة أم على حافة الانهيار

نسرين سيد أحمد

برلين – «القدس العربي»: يوحي عنوان فيلم المخرجة الأمريكية ماري برونشتاين «لو كانت لديّ أرجل، لركلتك»، بالإحساس بالعجز والغضب في آن. دعونا نتخيل شخصا غاضبا، يود أن ينفّس عن بعض من ألمه بركل خصمه، ولكنه يكتشف أنه بلا أرجل تساعده على ركل ذلك الخصم.

والخصم في فيلم برونشتاين، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي (13 إلى 23 فبراير/شباط الجاري) ليس شخصا بعينه، بل مجموعة متضافرة من الظروف والتعقيدات والمشاكل التي تواجهها أم تشعر بأنها بمفردها في مواجهة العالم. الأمومة في الفيلم ليست بالأمر اليسير على الإطلاق، بل طريق عسير تجد المرأة أن عليها أن تتكبد عناء السير فيه بمفردها. الأمومة في الفيلم هي المسؤولية التامة عن كل شيء، والشعور بالعجز التام عن كل شيء، هي الوحشة، والقلق الدائم، والخوف من اتخاذ قرار خاطئ قد يؤثر على حياة طفلك إلى الأبد، وهو اللوم الدائم للذات والشعور بالتقصير، وشعور الأم كما لو أن الحياة بأكملها تنهار حولها، بينما هي تحاول أن تنجو بنفسها وطفلها من طوفان من المشاكل.

ليندا، الشخصية المحورية في الفيلم (روز بيرن في أداء متميز للغاية) طبيبة نفسية في مونوك، وهي بلدة صغيرة تطل على المحيط في ولاية نيويورك، تجد نفسها محاطة بمتاعب لا قبل لها بها، هي أم لطفلة صغيرة مصابة بمرض لا تعلم تفسيره يجعلها غير قادرة على تناول الطعام، ما يجعل وزنها أقل من الوزن الطبيعي لسنها، ويضطرها لاستخدام أنبوب للتغذية. كلما تذهب ليندا مع ابنتها لمتابعة الحالة، يتملكها شعور تام بالعجز والتقصير، لأن ابنتها لا تصل إلى الوزن الطبيعي، رغم محاولاتها المستميتة لمساعدتها. لا نرى زوج ليندا إلا قرب نهاية الفيلم، فهو يعمل في مجال يضطره للسفر دوما. عمل ليندا مرهق ذهنيا ونفسيا حقا، فهي تتعامل مع مرضى في حاجة للعون النفسي، بينما تشعر هي بأنها في حاجة إلى العون، أضف إلى ذلك كله، تجد ليندا على حين غرة أن سقف الشقة التي تستأجرها قد انهار، مسببا فجوة كبيرة كما لو أنها هوة سحيقة تكاد أن تبتلعها. ربما حين نمعن النظر من بعيد نجد أن ما تمر به ليندا ليس نهاية العالم، ولكنها وسط مشاكلها ووحدتها تشعر بأن عالمها بأسره يتداعى. ولكن هذا لا يعني أيضا أنها تملك رفاهية الانهيار، فعليها أن تواصل الحياة حتى تعتني بصغيرتها وبعملها، ولا يعني الأمر أيضا أن حياة ليندا تخلو تماما مما قد يبهج، فمثلا يكفيها أن تحتضن صغيرتها، التي لا نرى وجهها إلا قرب نهاية الفيلم، وتغني لها تهويدتها المفضلة التي تساعدها على النوم.

عادة ما نحيط الأمومة بهالة من القداسة وربما الكمال، فالأم في نظر الكثيرين هي مصدر العطاء والأمان والحب والدفء. الجميع يبحث عما تعطيه الأم، ولا أحد يفكر حقا في ما تشعر به الأم، أو ما تحتاجه. وهذا بالتحديد ما تقدمه ماري برونشتاين، مخرجة الفيلم. يأخذنا الفيلم إلى العالم الداخلي للأم، ينفذ إلى مشاعرها وعقلها الباطن، ويحاول أن يعطيها صوتا للتعبير عما تحتاجه وعما يشعرها بالعجز. في بعض مشاهد الفيلم تتخيل ليندا كما لو أن الانهيار في سقف منزلها هو بوابة كونية إلى عوالم أخرى. وتشعر كما لو أنها تواجه هذا الفضاء السحيق المخيف بمفردها، دون مدد أو عون، وهكذا يبدو عالم الأمومة بالنسبة لها كامرأة عاملة مسؤولة في وقتنا هذا.

لا نرى ابنة ليندا إلا قرب نهاية الفيلم، نسمع فقط صوتها الصغير، أو نرى جسدا نحيلا متدثرا بالغطاء. ربما يأتي قرار المخرجة بحجب صورة الابنة ضمن الرؤية الفنية الأكبر للعمل التي تركز على الأم وعالمها النفسي وليس على ابنتها. طوال الفيلم نسمع وعيد الطبيبة للأم أنه إذا لم تصل الابنة إلى الوزن الطبيعي، فلن يتمكن الطاقم من إخراج أنبوب التغذية وستبقى الفتاة في حاجة للأنبوب للغذاء. ولكننا نعلم لاحقا أن إبعاد هذا الأنبوب لا يتطلب جراحة، وأن الفجوة التي يتسبب فيها الأنبوب في البطن ستلتئم ذاتيا بعد خروج الأنبوب. وهذا يضع مسؤولية جديدة على عاتق الأم، أو مسؤولية وفرصة للحرية في آن، فهي الآن يمكنها أن تخرج الأنبوب بنفسها دون ضغط من الطبيب وبمقدورها أن تعمل مع ابنتها في هدوء للوصول إلى الوزن المثالي. كلها قرارات محفوفة بالخطر لا يوجد من يعين الأم على اتخاذها، كلها قرارات لها تبعات كبيرة على صحة الابنة، ولا تجد الأم من تستشيره أو من تناقش معه الأمر. هي بمفردها تواجه الهوة الكونية في سقف منزلها والتجويف الذي يبدو لها سحيقا مخيفا بعد إزالة الأنبوب من بطن ابنتها.

في عيادتها النفسية تقدم ليندا العون والنصح للعديد من الأشخاص، من بينهم أم شابة لرضيع صغير. تشعر هذه الأم بأن لا قبل لها برعاية صغيرها، ولكنها تخشى عليه من كل شيء، ويدفعها عجزها للفرار من المشفى وترك صغيرها في عهدة ليندا ذاتها. بينما يسلط الفيلم الضوء على ليندا ذاتها وإحساسها بالعجز، انعدام السند كأم، إلا أنه يعلمنا أنها ليست فريدة في هذا الشعور، وأن هناك العديد من الأمهات اللاتي يشعرن بالعجز أمام مسؤوليات الأمومة ومخاوفها.

لا يقدم «لو كانت لديّ أرجل، لركلتك» صورة وردية حالمة للأمومة. ولكنه لا يقدم صورة كابوسية، بل يقدم صورة واقعية لحياة الأم في عصر ضاغط يضعها في مواجهة مسؤوليات الأمومة والحياة بغير عون أو دعم في أغلب الأحيان.

 

القدس العربي اللندنية في

21.02.2025

 
 
 
 
 

«المستعمرة»... فيلم مصري يطرح قضايا عمّال المصانع بـ«واقعية سوداء»

عُرض ضمن مسابقة «العمل الروائي الأول» في «برلين السينمائي»

القاهرةأحمد عدلي

يتناول الفيلم الروائي المصري «المستعمرة» قصصاً من حياة عمّال المصانع في الإسكندرية؛ وقد عُرِض ضمن برنامج «العمل الروائي الأول» في مهرجان «برلين السينمائي» بدورته الـ75، ليُضيء على منطقة تضمُّ مساكن لعمّال المصانع، تأسَّست خلال الاحتلال الإنجليزي لمصر؛ وهو من إخراج محمد رشاد ويعتمد على وجوه جديدة.

تدور الأحداث حول عائلة عامل يقضي في حادث بمصنع يفتقد شروط السلامة، وبعد وفاته التي لا تخضع لتحقيق، يُقدّم أصحاب المصنع فرصة عمل لنجله حسام البالغ 23 عاماً (أدهم شكري)، الذي يقبل الفرصة برفقة شقيقه الأصغر مارو ابن الـ12 عاماً (زياد إسلام).

وهي فرصة لم تكن لتتوافر لولا وفاة والده بهذه الطريقة في ظلّ مشكلات حسام مع الأمن واضطراره للابتعاد عن منزل العائلة في حياة والده الذي تحدّث عن كثير من الأمور السلبية المرتكبة بحقّ العمال.

يحصل الأخوان على فرصة العمل ضمن التسوية غير الرسمية مع إدارة المصنع، في حين تعاني الأم من مرض يجعلها غير قادرة على الحركة، مكتفيةً بالحديث مع ولديها عند عودتهما من المصنع، فيما نشاهد على مدار الشريط الممتدّ لنحو 94 دقيقة تفاصيل عن حياتهما وعلاقاتهما داخل مكان العمل، وطريقة تعامل العمال والمهندس المسؤول معهما، بجانب صعوبات تواجههما في حياتهما الجديدة.

يطرح الفيلم أسئلة بلا إجابات واضحة، بدايةً من طريقة وفاة الأب والتفاصيل الخاصة بها، مروراً بطبيعة العلاقة بين الشقيقين والجزء الغامض في حياة الشقيق الأكبر حسام، وصولاً إلى الأم ودورها بما وصل إليه الابن، بجانب طبيعة المكان الذي يعيشون فيه، والذي يفتقد كثيراً من مقوّمات الحياة الأساسية، وانخراطهما في العمل بالمصنع البدائي.

في هذا السياق، يُصنّف الناقد المصري خالد محمود الفيلم ضمن أفلام «الواقعية السوداء»، مشيراً إلى استخدام المخرج الرمزية بشكل كبير. ويتابع لـ«الشرق الأوسط» أنّ «العمل تضمَّن بطئاً شديداً في الأحداث مع غياب المواقف التمثيلية المؤثّرة».

ويضيف: «يحمل فكرة جيدة؛ لكن ربما لم يجرِ التعبير عنها بصورة سينمائية تُناسبها؛ الأمر الذي يمكن ردّه إلى أنها التجربة الأولى للمخرج، واعتماده على أبطال معظمهم يقف للمرة الأولى أمام الكاميرا».

لكن مخرج الفيلم محمد رشاد يقول لـ«الشرق الأوسط» إنّ عمله «لا يعطي المعلومات دفعة واحدة للمُشاهد، وإنما بشكل تدريجي على مدى الأحداث؛ مما يولّد ترقّباً أكبر خلال الجزء الثاني من السياق، مع فَهْم الشخصيات وطبيعتها وانتظار ما سيحدُث لها».

ويوضح أنّ حالة الترقّب مقصودة منذ مرحلة الكتابة؛ الأمر الذي حاول نقله خلال التصوير، مشيراً إلى أنه حرص على التوظيف الرمزي لإظهار مدى ضآلة الشقيقين في مواجهة المجتمع الذي يعيشان به، مضيفاً أنّ «الفيلم يُقدّم صورة قاتمة للوجود الإنساني؛ ما يناسب طبيعة الأحداث التي استمدّ فكرتها من قصة حقيقية لشاب قصد العمل في المكان عينه الذي توفّي فيه والده».

ويُبدي الناقد أندرو محسن إعجابه بتقديم الفيلم صورةً غير مألوفة لمدينة الإسكندرية، مشيراً إلى أنه «قدَّم صورة واقعية للقصة التي يتناولها، وذلك على مستوى الصورة بمواقع التصوير والاستعانة بعمال حقيقيين».

ويتابع لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الفيلم ربما تضمَّن غموضاً إضافياً تجاه شخصيات كان يُنتظر أن يُعرَف عنها أكثر خلال السياق، لكنّ مخرجه يُفسّر نقص المعلومات عنها برغبته في التركيز على تأثير الأحداث في الأبطال، وليس التعمُّق في الشخصيات».

ويوضح المخرج أنه تعمَّد الغموض في بعض الشخصيات والأحداث ليترك للجمهور مساحة تخيُّل، وتكوين وجهة نظرهم وتوقّعاتهم عما حدث بناء على ما عرفوه عن كل شخصية.

وعن مكان التصوير، يختم رشاد: «العمل صُوِّر داخل مصنع، مع إجراء تعديلات طفيفة فيه قبل التصوير»، مشيراً إلى أنه استُعين بعمال حقيقيين، بالإضافة إلى مجموعة من الممثلين لإضفاء طابع واقعي على التصوير داخل المصنع، مع الاعتماد على الإضاءة الطبيعية بالتنسيق مع مدير التصوير.

 

الشرق الأوسط في

21.02.2025

 
 
 
 
 

"كونتيننتال 25" يواجه الأنظمة المعاصرة في برلين

رادو جود يكشف تخبط رومانيا بين نزعة رأسمالية وواقع بائس

هوفيك حبشيان 

ملخص

بعد 4 أعوام على فوزه بـ"دب برلين"، يعود المخرج الروماني رادو جود إلى مسابقة مهرجان برلين السينمائي (13 - 23 فبراير) بفيلم جديد، "كونتيننتال 25"، رشحه البعض للجائزة الكبرى.

  يبدو أن فيلم "كونتيننتال 25" أحد أقوى المرشحين للجائزة الكبرى، فلجان التحكيم تهوى عادة هذا النوع من الطرح الذهني، خصوصاً إذا كان الهدف منه التصدي لعيوب الأنظمة المعاصرة التي لها تداعيات سلبية على حياة الناس. رادو جود البالغ من العمر 48 سنة، الذي لا يتوقف عن التصوير، منوعاً في الأساليب والأفكار، آتياً في كل مرة بشيء جديد ومشابه في آن واحد، يموضع فيلمه الأحدث في بلاده رومانيا التي شهدت تحولات كبيرة في العقود الماضية. وهو سينمائي فنان ومفكر ومراقب للظواهر ليس عليه سوى معاينة آثارها على المجتمع، مع هذا الحس التجريبي الفطري الذي يلاحقه باستمرار.

أورسوليا (استر تومبا) محامية في كلوغ، المدينة الرئيسة في ترانسيلفانيا. في أحد الأيام، يطلب إليها مرافقة الشرطة في عملية طرد رجل مشرد يقطن في قبو أحد المباني الذي ينبغي إزالته لفسح المجال أمام بناء فندق فخم في المكان نفسه. الفيلم يبدأ بهذا المسكين الذي يجمع القمامة في متنزه، حيث تتجول الديناصورات بحرية، قبل أن يصبح فيلماً آخر تتولى قيادته أورسوليا المحامية التي من الواضح أن لقاءها بالمُشرَد لن يمر كحدث روتيني عابر في حياتها، بل يجعلها تنتفض على الظلم الاجتماعي وغياب العدالة الذي تتعرض له الفئات المهمشة، خصوصاً أنها هي الأخرى لا تأتي من متن المجتمع الروماني بل من هامشه. فهي من أصول مجرية، وتكره رئيس الوزراء المجري اليميني المتطرف فيكتور أوربان كرهاً شديداً، ويأكلها الذنب بسبب مشاركتها في تنفيذ حكم الطرد الصادر من المحكمة.

هذا كله نكتشفه تباعاً، من خلال أحاديثها (التي تأخذ شكلاً من أشكال البوح والاعتراف وغسل العار)، مع أمها وغيرها ممن يحيطون بها في حياتها اليومية. رادو جود لا يثبت شيئاً، بل يرينا ما يريد إثباته، يسمعنا إياه، وهذه حدود فيلمه. هنا يبدأ كل شيء وهنا ينتهي. عالمه يتأسس في التنظير والفرضيات، حيث النار "تحرق مكانها فقط"، ولا تشعل غضباً بل تنتهي بالأسف. وعندما لا يعود يجد ما يقوله ويقدمه، يختتم الفيلم بسلسلة مشاهد من المدينة، يجعلنا من خلالها شهوداً على قبح المباني الجديدة التي يفرضها الذوق الرأسمالي.

هذا الحدث يتحول في وجدان المحامية إلى أزمة أخلاقية تحاول حلها بأفضل ما يمكن. هذا هو ببساطة ما هو عليه الفيلم الذي يستند في خطابه على الكلام الكثير، وتتخلله مشاهدات من المدينة التي تقيم فيها صديقتنا المحامية.

على غرار عدد من الأفلام التي عرضت هذا العام في الدورة الـ75 من الـ"برليناله"، وفي مقدمها "ميكي 17" لبونغ جون هو، يتناول جود الرأسمالية الزاحفة إلى بلاد فقيرة مثل رومانيا، ضمن منظومة سياسية عمقت الهوة بين الطبقات الاجتماعية. لكن على خلاف زميله الكوري الجنوبي الذي يقحمنا في تعقيدات قصصية لا تنتهي، يتحول هذا كله عند رادو إلى بساطة شديدة، تتجسد في حادثة طرد رجل متشرد وما تولده في وجدان المحامية من تساؤلات، يقدمها لنا الفيلم بالملعقة، وربما هذه إحدى مشكلاته.

رداً على سؤال ما إذا كان الفيلم تعليقاً على القضايا الاجتماعية والسياسية في رومانيا الحالية، من خلال المزج بين الإحساس بالمأساة وعناصر كوميدية، يقول رادو جود "أود أن أضيف على هذا التعليق البعد الأخلاقي، الشعور بالذنب والمأزق الأخلاقي الذي تواجهه البطلة. لكنه مأزق أخلاقي يأتي بعد الأحداث، بعدما يكون الضرر قد وقع. لست متأكداً إن كان مصطلح "هجاء سياسي" هو الأنسب لوصف هذا الفيلم. في نظري يتعلق الأمر باستكشاف سخافة الوضع. هناك مأساة، لكن كيف يتفاعل الناس معها، هذا ما يبدو سخيفاً. عندما نشكك في ردود فعلنا تجاه المآسي، نجدها على حافة السخرية. خذ أزمات عالمية كأوكرانيا وغزة، يشعر البعض بالرضا الذاتي إذا نشروا باستمرار عن هذه القضايا على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن تراهم بعد 15 دقيقة، يشاركون صورة لمأدبة غداء أو قطة ظريفة. لست هنا لأحكم، فأنا أفعل ذلك أيضاً، لكنني أجد أن هناك في هذا الأمر "كوميديا إنسانية" على طريقة الروائي الفرنسي بالزاك، خصوصاً على مستوى التناقضات التي نراها. الأمر أقل من كونه هجاء، وأكثر من كونه انعكاساً للسخافة والتعقيدات المرتبطة بردود فعل البشر".

من أجل تصوير الفيلم، لجأ رادو جود إلى هاتف محمول من نوع "آيفون 16"، خيار جاء بدافع جمالي واقتصادي في الحين نفسه. يعلق قائلاً "كان الأمر يتعلق بتبني البساطة. التكنولوجيا أصبحت اليوم في متناول الجميع، لذلك أردت أن أثبت أنه من الممكن إنجاز فيلم بإمكانات محدودة. الأمر يشبه العودة إلى أساسيات السينما، إلى الأخوين لوميير. صورنا الفيلم في 10 أو 11 يوماً، من دون أي إضاءة أو معدات تثبيت، معتمدين على الحوار والبيئات الطبيعية. كان ذلك أساساً للمشروع. هذا يرتبط أيضاً بفكرة المخرج الإيطالي روبرتو روسيلليني حول العمل بـ"الإمكانات المحدودة". عديد من الأفلام التي تتناول الفقر أو العنف الاجتماعي تنتج بموازنات ضخمة تصل إلى ملايين الدولارات. هناك، في بعض الأحيان، تفاوت. وددت أن أتحدى ذلك. بالطبع، وما كان للفيلم أن يتحقق من دون مشاركة الجميع فيه، من ممثلين ومنتجين وفريق تقني".

© The Independent

 

الـ The Independent  في

22.02.2025

 
 
ؤ
 
 

«يونان».. قصيدة عن التيه الوجودي

هوفيك حبشيان

يشقّ المخرج الفلسطيني السوري أمير فخر الدين طريقه بثبات في المشهد السينمائي الدولي، وهذه المرة بفيلمه «يونان»، الذي ينافس ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي (13 – 23 شباط). بعد «الغريب» الذي أطلقه في موسترا البندقية، يواصل بناء كاتدرائيته السينمائية الخاصة، متعّمقًا أكثر فأكثر، مع ثاني أفلامه، في رؤية سردية تتجاوز القوالب المعتادة.

يحظى «يونان» باهتمام واسع بسبب مشاركة النجمة الألمانية الكبيرة هانا شيغولا التي تضفي على الفيلم بُعداً إضافيًا بحضورها الآسر. لكن الأهم من ذلك هو الأسلوب الذي يطوره فخر الدين، ناسجًا أفلامه بحسّ شاعري ووجداني، مبتعدًا عن التناول السطحي للقضايا الكبرى، ومفضّلًا النظر في جوهر التجربة الإنسانية وتفاصيلها الصغيرة التي لا تعدو كونها همسات، حيث الأمكنة ليست مجرد خلفيات للأحداث، بل كائنات حيّة تتفاعل مع الشخصيات، ممّا يمنح الفيلم طابعًا حسيًا غامرًا.

«يونان» جزء من مشروع سينمائي أوسع، إذ يشكّل امتدادًا لـ«الغريب»، ضمن ثلاثية يطوّرها فخر الدين تحت عنوان «وطن». هذه السلسلة رحلة متكاملة لاستكشاف الهوية والانتماء، بنمط يتجاوز هموم السينما العربية المعتادة. إنها قفزة إلى تجربة سينمائية تعتمد على الإحساس بالزمان والمكان، حيث الكاميرا لا تتحرك عبثاً، بل تنسج إيقاعًا خاصًا يتماشى مع نبض الشخصيات، لتخلق حالةً، الهدف منها ترك شيء ما في ذهن المشاهد.

في «يونان»، المكان هو الشخصية الأساسية. الجزيرة التي تدور عليها الأحداث ليست ملاذًا سياحيًا مشمسًا، بل فضاء ناءٍ، يكاد يكون على أطراف العالم، حيث الزمن يبدو كأنه يسير بإيقاع مختلف. هناك، داخل نزل صغير في عزلة عن العالم المعاصر، تعيش سيدة (هانا شيغولا) برفقة ابنها وعدد محدود من الأشخاص، جميعهم يشتركون في عزلة تبدو كأنها مفروضة عليهم بقدر الطبيعة نفسها. المكان، بعناصره الطبيعية، ليس مجرد خلفية، بل كيان ينبض بالحياة، مستقل عن البشر الذين يعبرون بينما يبقى هو شامخًا في حضوره الأزلي. الصورة وحدها لا تكفي لتوصيف هذه البيئة، فالأصوات «تُرينا» هي أيضًا، وهذا ما يعزز الإحساس بالوجود داخل هذا المكان.

ظاهرة جيولوجية نادرة، حيث تغمر مياه البحر أرض الجزيرة أيامًا عدة، ثم تعيدها إلى الظهور مجددًا، ألهمت أمير فخر الدين، فوجد في ذلك صدى عميقًا للتيمات التي يستكشفها: الفقدان، الاختفاء والعودة المتحوّلة.

حين تطأ قدما منير (جورج خباز) أرض الجزيرة، لا تكون مجرد رحلة استجمام، بل صدمة تزعزع توازن هذا المكان المنعزل. منير، الكاتب المغترب في هامبورغ، يعيش أزمة خانقة تمتد إلى أعماقه، فيتجسّد اختناقه الداخلي في ضيق تنفّس ينعكس بدوره على إبداعه الأدبي وحياته العاطفية. إنه رجل مشرقي يحمل على كتفيه أثقالًا لا تُرى، قادماً من منطقة غير مستقرة منذ عقود، يحمل معه ارتباكه ورغبته المكبوتة في الهروب من ذاته. النزعة الانتحارية تلازمه كظلّ، لكنه بدلًا من الاستسلام لها، يجد نفسه على هذه الجزيرة الواقعة في أقاصي الشمال الألماني، استجابةً لنصيحة طبيبه بالابتعاد والراحة.

تتشظّى الحكاية بين الحاضر والماضي، حيث نغوص في ذهن منير، نتابع كيف تتداخل مشاهد حياته مع خيالاته، مستعيدًا قصصًا من طفولته تحاول أن تجد طريقها إلى روايته. واحدة من هذه القصص، تلك التي روتها له والدته عن «راعٍ لا يملك شيئاً»، تتحوّل إلى استعارة تلقي بظلالها على رحلته الداخلية، فتتحوّل الجزيرة إلى مساحة تتلاشى فيها الحدود بين الواقع والخيال.

لا يلتزم الفيلم سردًا خطيًا، إنما يتحرك بحرية بين الأزمنة والأمكنة، تمامًا كما أن الأرض التي يقف عليها منير ليست ثابتة، بل تشبه الرمال المتحركة، على وشك الانزلاق أو الاختفاء. الزمن نفسه يبدو غير مستقر، والقصّة تتنقّل بين الماضي والحاضر من دون فواصل واضحة، كما لو أن كلّ شيء معلّق في لحظة بين الوجود والتلاشي. هنا، لا تكون رحلة منير استراحة من الحياة، بل مواجهة حتمية مع ذاته، مع الأسئلة التي لطالما هرب منها، ومع احتمالات جديدة للوجود

كما في فيلمه السابق، يعود أمير فخر الدين لاستكشاف مفهوم الحدود، ليس فقط كخطوط جغرافية، بل كحواجز داخلية تفصل الإنسان عن محيطه، وعن ذاته. يترك مشاهده عائمة بين المساحات الفاصلة، حيث يصبح الشعور بالانتماء مشروطاً بالبحث الدائم عن معنى.

لا تُروى هذه الحكاية بالكلمات وحدها، بل تتجلّى عبر الإحساس، عبر التريّث في تلقي الصورة، عبر الانسياق التدريجي داخل بيئة سينمائية تربط بين الأمكنة والأشخاص والذكريات.

«يونان» قصيدة بصرية عن معاني الاغتراب والعزلة والانتماء، تضع المُشاهد أمام احتمالات غير محدودة. كلّ عنصر في الفيلم؛ الصورة، الصوت، الزمن، وحتى المساحات الفارغة، يساهم في خلق تجربة مشاهدة غير تقليدية، مع ترك المجال لكلّ من يبحث عن معنى خاص به وسط هذا التيه الوجودي.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

22.02.2025

 
 
 
 
 

تنويه خاص لفيلم Têtes Brûlées للمخرجة ماية عجميه بمهرجان برلين

كتب بهاء نبيل

فاز فيلم Têtes Brûlées للمخرجة ماية عجميه بتنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة أجيال 14+ الدولية للأفلام الطويلة في عرضه العالمي الأول بالدورة الـ 75 من مهرجان برلين السينمائي الدولي.

وعند تقديم الجائزة للفيلم، جاءت كلمة لجنة التحكيم مليئة بالمشاعر الصادقة "عمل أول رائع يقدم لمحة نادرة عن عالم من التضامن والحب من خلال عيون فتاة صغيرة. من خلال أسلوب بصري متجدد وسرد عاطفي صادق، يسلط الضوء على تعقيدات الحزن، موضحًا كيف يمكن للفقدان أن يكون مؤلمًا ودافعًا للتغيير. إنه عمل جريء ورقيق في آنٍ واحد، يذكرنا بقوة التكاتف في الأوقات الصعبة".

خلال فترة المهرجان الممتد من 13 إلى 23 فبراير الجارى، شهد الفيلم عرضه الأول يوم الإثنين 17 فبراير بحضور كل من المخرجة والبطلة ومنتجين الفيلم، وازداد الإقبال على عروض الفيلم الثلاث التالية على التوالي.

العرض الأخير للفيلم سيكون يوم ختام المهرجان، الأحد 23 فبراير الساعة 4:15 مساءً بمبنى Cubix 6.

فيلم Têtes Brûlées هو قصة نضج تشكلها مأساة إيا البالغة من العمر 12 سنة وهي تتعامل مع الخسارة المفاجئة لأخيها الأكبر يونس، الذي تقاسمت معه رابطة قوية لا تنفصم. في خضم عملية حزن شديدة ومعقدة، تستعين إيا بمهاراتها الإبداعية وقدرتها على الصمود ودعم أصدقاء يونس للتكيف مع رحيله وشق طريقها نحو النضج.

Têtes Brûlées  كتبته وأخرجته المخرجة وكاتبة السيناريو البلجيكية التونسية الدنماركية ماية عجميه زلامة، ومن بطولة صفاء غرباوي، مهدي بوزيان، منير عمامرة، عدنان الهرواتي، صابر طابي، نيكولاس ماكولا، مهدي زيلما، ومونيا طيب.

 

اليوم السابع المصرية في

22.02.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004