ملفات خاصة

 
 
 

تحفة مهرجان برلين: “بطلة” أو “نوبة متأخرة

أمير العمري– برلين

برلين السينمائي

الدورة الخامسة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

الفيلم الوحيد الذي أعتبره “تحفة” سينمائية فريدة من بين جميع الأفلام التي شاهدتها في الدورة الـ75 من مهرجات برلين السينمائي، هو الفيلم السويسري- الألماني “بطلة” Heldin حسب التسمية الألمانية، أو “نوبة عمل متأخرة” Late Shift حسب التسمية الإنجليزية. وقد عرض الفيلم خارج المسابقة ضمن العروض الاحتفالية الخاصة Special Gala.

لماذا أعتبر هذا الفيلم الذي أخرجته المخرجة السويسرية “بيترا فولب” تحفة سينمائية؟

أولا: لأن هناك “موضوعا” مهما يصوره الفيلم، وأنا أتعمد استخدام كلمة “يصوره” لا “يطرحه” لأن الأفلام – قبل أي شيء- لا تطرح، بل تقدم المواضيع بالصورة والحركة والتمثيل والمونتاج، أي من خلال صور حتى لو تضمنت هذه الصور حوارات. والموضوع الذي يصوره الفيلم هو موضوع إنساني، يهم الناس في العالم كله. صحيح أن للموضوع خصوصيته التي تنبع من البيئة التي تدور فيها الأحداث إن جاز أن هناك أحداثا، ولكنه يلمس النفس البشرية في كل مكان وهذا هو ما يسمى بالبعد الكونيuniversal  أو الإنساني في أي فيلم جيد مهما كان مستغرقا في محليته، وهذا البعد، هو نفسه ما يميز- مثلا- روايات نجيب محفوظ ويجعلها “أكبر” من نطاقها المحلي رغم أنها غارقة في المحلية، وهو نفسه ما ينطبق على أعمال ماركيز في الأدب، وفيلليني وبرجمان وتيرنس ماليك في السينما.

وثانيا: أن الفيلم يعتمد شكلا للسرد يقتضي دقة شديدة في الإعداد الكبير قبل التصوير، ثم التدقيق في كل تفصيل من تفاصيل الصورة خلال التصوير، ثم خلق إيقاع متدفق يقبض على المشاهدين ويجعلهم لا يستطيعون الإفلات من متابعة الفيلم أو الابتعاد ولو لبضع ثوان عن المشاهدة للتطلع في جهاز الهاتف المحمول مثلا. وهذا الشكل السردي أو أسلوب البناء السينمائي، يعتمد على الحركة الطويلة الملتوية للكاميرا في أرجاء الديكور الطبيعي، أي المكان الذي تدور فيه الأحداث، وهو مستشفى سويسري يجمع بين مرضى التأمين الصحي ومرضى العلاج الخاص.

إننا أمام تجربة كبيرة في الإخراج، تتميز بالسيطرة المدهشة، سواء على تفاصيل المكان، أو على الأداء الفذ للممثلة الألمانية الرائعة “ليوني بينيش” (التي سبق أن تألقت في فيلم “رواق المعلمين” The Teacher’s Lounge. فهي تقدم هنا دورا شديد الصعوبة، هو دور ممرضة تذهب إلى نوبة العمل التي تبدأ بعد الظهر أي النوبة المتأخرة، لتجد أن زميلة متغيبة لسبب قهري، وبالتالي يتعين عليها أن تحمل وحدها أعباء رعاية المرضى في قسم الجراحات بالمستشفى مع زميلة واحدة فقط.

هذه الممرضة هي “فلوريا” التي تتحرك وتنتقل بكل حيوية ورشاقة من مكان إلى آخر، ومن طابق إلى طابق آخر، تستجيب للحالات الطارئة، تعرف كيف تمزج الدواء وتستخدم الأجهزة، وتجيب على الهاتف، وتطمئن المريض الذي يشعر بالقلق بل وتهديء من روع أقارب المرضى الذين يلحون عليها بالأسئلة الصعبة.

هناك مريضة السرطان التي تعرف Hن لا شفاء لها، ورغم ذلك تشعر فلوريا بالألم الشديد عندما تتوفى جراء جلطة في الجهاز التنفسي، لم تستطع أن تنقذها لا هي ولا زميلتها بعمل تنفس اصطناعي لها، يتجمع حولها أبناء المريضة الراحلة الثلاثة، والواضح أنها من الجالية التركية، يعبرون عن ألمهم وغضبهم عليها، لكن لا ذنب لها في الواقع.

وهناك رجل مسن يعرب باستمرار عن رغبته في مغادرة المستشفى، لا يريد أن ينتظر وصول الطبيب في اليوم التالي لكي يخبره عن طبيعة مرضه، فهو يحتاج الى أن يكون بالقرب من كلبه.

هناك عشرات الأسئلة التي تتلقاها فلوريا ولا يمكنها الرد عليها، فهي تختص بعمل الأطباء، وأما الطبيبة التي تجري العمليات الجراحية فهي تفضل الذهاب مباشرة الى منزلها بعد انتهاء يوم شاق قضت فيه ساعات طويلة داخل غرفة العمليات، رافضة الاستجابة لفلوريا التي تريدها أن تفحص أحد المرضى وتخبره بحالته بعد أن ظل ينتظرها من الصباح. وهنا يرصد الفيلم أيضا التوتر الذي يمكن أن ينشأ بين عمل الطبيب وعمل الممرضة.

إنها تغني في قبول ورضا وسعادة أغنية أطفال لمريضة مسنة تعاني من مرض الخرف، لا تدري أين هي، وربما أنها لا تتذكر من الحياة سوى هذه الأغنية التي كانت أمها تغنيها لها وهي في المهد. وهي تخفف في كل ود إنساني عن شعور مريض من بوركينا فاسو بالوحدة الشديدة في سويسرا، ورغم انشغالها الكبير في رعاية المرضى، ودفع النقالات، وقياس الضغط والنبض والحرارة للمرضى، وتحضير الأدوية بيدين خبيرتين، وتسجيل الأدوية في دفتر الأحوال حسبما تقضي أصول المهنة، والتعامل مع أجهزة الكومبيوتر المعقدة، لا تتردد عن الاستجابة لسيدة اتصلت هاتفيا تطلب منها العثور على نظاراتها التي تركتها وراءها عندما كانت تزور أمها المسنة العاجزة.

إلا أن هناك مريضا خاصاـ وليس من مرضى التأمين الصحي، غاضب، حانق كثير الطلبات، يتعامل بخشونة بالغة مع فلوريا، وقد طلب أن يأتونه بقدح من الشاي الأخضر لكن الأمر تأخر وعندما تدخل فلوريا عليه يصب جام غضبه عليها، وهو يمسك بساعة يده، ويحسب زمن التأخر في الاستجابة لطلبه، وسيأتي وقت مع ارتفاع حدة الضغط عليها، تفقد فلوريا أعصابها وتنتزع منه الساعة وتلقي بها من نافذة الحجرة، لكنها سرعان ما ستشعر بما ارتكبته من خطا، وتهبط للبحث عن الساعة التي يقول لها الرجل إن ثمنها 24 ألف يورو.. لكنه يلين تدريجيا ويضعف وينهار ويبكي حاله، وكيف أنه وهو مازال في عمر الشباب أصيب دون غيره من أفراد عائلته، بمرض السرطان وأنه لم يبق أمامه في الحياة سوى أقل القليل. لكنه يخفي مرضه عن زوجته وعائلته، ويتحدث إليهم هاتفيا باعتباره في رحلة عمل، كما لو كان يقيم في أحد الفنادق!

وسنرى أيضا سيدة مصابة بالسرطان لا تكف رغم ذلك عن التدخين في الشرفة بينما جهاز المحاليل مركب في ذراعها، وستنهرها فلوريا وتنتزع منها علبة السجائر، لكن هذه المرأة تحديدا ستتعاطف مع فلوريا في أزمتها وهي التي ستعثر على ساعة الرجل وتعيدها إليها. ولكن هل يحتاجها الرجل حقا وهو الذي يعرف أن حياته مقضي عليها سريعا؟

ليست كل هذه التفاصيل هي المهمة فقط في سياق السرد. صحيح أننا نرى من خلالها صورة مصغرة دقيقة لمجتمع سويسرا المعاصرة، مرضى من جميع الأشكال والأصول: الأكراد والإيرانيون والأتراك، البيض الأوروبيون وذوو الأصول الأفريقية والهنود، وغير ذلك.. وجميعهم ينتهي إلى واحدة من المستشفيات الجيدة المجهزة في أرقى نظام صحي أوروبي، ورغم ذلك، يرصد الفيلم ما يترتب على العجز في عدد الممرضات وبالتالي التقاعس عن تقديم الخدمة الصحية المنتظرة الأمر الذي يهدد حياة الكثير من المرضى.

ولكن الأهم من “الرسالة” التي تتلخص في النهاية في كارثة تتمثل في هجرة الممرضات من البلاد وتناقص أعدادهم بدرجة تنذر بالخطر، واعتزال الكثيرات منهن، ورفض غيرهم العمل بسبب تلك الضغوط النفسية والجسدية التي تقع على عاتقهن، فجمال الفيلم ينبع أساسا من المزج بين التسجيلي والروائي، واستنباط الدراما ليس من خلال قصة سطحية مثيرة، بل من بين طيات تلك القصص الإنسانية البسيطة، التي ربما تكون أولها أيضا، قصة فلوريا نفسها، التي سنعرف خلال التقدم في السرد، إنها امرأة مطلقة وأن لديها ابنة تقيم بعيدا عنها، وربما تكون طبيعة عملها وراء ذلك الطلاق والانفصال.. والفيلم يبدو في طابعه العام مخلصا حد الحرفية، لتقاليد الواقعية السينمائية التي تصف لكنها تشرح وتحلل وتتوقف أيضا أمام المواقف الإنسانية، وتصور الشخصية الرئيسية في نبلها وغضبها، وفي قدرتها المهنية المشهود لها، وفي الوقت نفسه عجزها عن السيطرة بالكامل على محيط أكبر من قدرة أي ممرضة بمفردها في تلك النوبة الطويلة التي ينتهي الفيلم مع نهايتها، ومع مغادرة تلك الممرضة المستشفى وركوبها الحافلة تحلم بأن تجد الأم التي تسند رأسها على كتفها.

دقة السيناريو بكل تفاصيله هي أساس قوة الفيلم، إلا أن ما يجعل الفيلم يقبض على المشاهد ويدفعنا للمتابعة هو المونتاج الدقيق الذي يخلق ذلك الإيقاع اللاهث الذي يشي بإمكانية وقوع أي خطأ في أي وقت يمكن أن يتسبب في كارثة مهنية بالنسبة لفلوريا.

ولعل ما يضفي سمات الواقعية على الفيلم إعادة تجهيز فريق الديكور والتنسيق الفني، مستشفى فارغا بكل ما يلزم، مع المزج البارع بين الممثلين المحترفين وبعض المرضى الحقيقيين. وإلى جانب الإخراج الواثق لمخرجة تعرف أهمية كل لقطة في بناء الفيلم بشكل متصاعد، في بناء لا يروي قصة درامية بقدر ما يتوقف أمام ما يصلح لأن يكون عشرات القصص الإنسانية، بدلالاتها الدرامية والعاطفية التي تبدو محكومة ولا تنزلق إلى المبالغة الميلودرامية.  

تقوم الممثلة ليوني بينيش بدور الممرضة بكل دقة وتألق وحيوية، فهي تنتقل بكل ثقة بين ردهات المستشفى، في لقطات طويلة تجعل المشاهد المختلفة تبدو كما لو كانت تمضي من دون أي “قطع” وتجعل الفيلم بالتالي يبدو كما لو كان مصورا في لقطة واحدة تمتد بطول تلك النوبة المليئة بالمفاجآت والمتاعب. ولكي تقوم بهذا الدور كان يتعين عليها أن تقضي فترة في التدرب على العمل في إحدى المستشفيات السويسرية، وتدرس كل تفاصيل عمل الممرضة، وتعرف كيف تمزج المحاليل والأدوية وكيف تحقن بالإبرة، وكيف تدفع النقالات وعربات الأجهزة، وتفتح الأدراج، وتغلق مخزن العقاقير المخدرة المسكنة بالمفتاح ثم تعلقه في رقبتها، وتمارس عملها باستمرار تحت كل هذه الضغوط وهي تبتسم وتستجيب في رقة للمرضى ومطالبهم، تداعب الأطفال أقارب المرضى، وتدلل العجائز. إننا أمام أفضل أداء في أي فيلم لممثلة ألمانية خلال السنوات الأخيرة. إنها “البطلة” الحقيقية في هذا العمل.

 

موقع "عين على السينما" في

24.02.2025

 
 
 
 
 

طوينا صفحة «برلين».. ماذا بعد؟!

طارق الشناوي

تواجدت مصر بأكثر من فيلم فى العديد من التظاهرات فى مهرجان برلين، الذى أنهى دورته الماسية «٧٥ عاما» أمس الأول.

كان لنا أيضا حضور من خلال فريقى العمل لكل من مهرجانى (القاهرة السينمائى) برئاسة حسين فهمى و(الجونة) تحت قيادة ماريان خورى المديرة الفنية، كما أن الناقد أحمد شوقى تولى رئاسة لجنة تحكيم النقاد الدولية (الفيبرسى) بالمهرجان.

ساهمت شركة (ماد سوليوشن) للسينما العربية التى يقودها باقتدار وتفانٍ الباحث السينمائى علاء كركوتى- سورى الهوية مصرى الهوى- فى العديد من الأفلام التى شاركت فى المسابقات المختلفة، صار له حضوره الدائم فى كبرى المهرجانات، مدعما الأفلام التى تحظى بالاهتمام العالمى، وهو بالفعل ما يشرفنا جميعا كعرب، محققا خطوة مهمة على الطريق.

السفير المصرى فى برلين الدكتور محمد البدرى حرص ليس فقط على إقامة حفل استقبال للوفد المصرى، ولكن شارك بالحضور أثناء عرض أفلامنا.

بيننا زملاء أعزاء يشاركون فى (برمجة) أفلام المهرجانات، كان لهم حضورهم، ليس فقط بالكتابة على الأفلام، ولكن بالاتفاق مع موزعيها على المشاركة فى مهرجانى (القاهرة) و(الجونة).. ورغم التنافس بينها إلا أن هناك خيطا واضحا بين التسابق لاقتناص الأفضل، وبين توجيه ضربات تحت الحزام، والفرق شاسع بين التنافس والصراع.. مرحبا قطعا بالتنافس على الأفضل وهو ما تابعناه جميعا.

الأفلام المشاركة، وتلك أراها ظاهرة إيجابية ليست كلها من الإنتاج الذى نصفه صحفيا بالمستقل مثل (المستعمرة) لمحمد رشاد، الذى شارك فى مسابقة (وجهات نظر)، ولكن لدينا أيضا منتجون تقليديون، أو صاروا كذلك فى السنوات الأخيرة مثل: جابى خورى، إلا أنه ساهم فى إنتاج فيلم مختلف عن السياق العام مثل (ضى)، شارك فى قسم (أجيال).. والمعضلة التى تواجه تلك الأفلام؛ لا توجد دور عرض جماهيرية ترحب بها فى مصر، إلا مثلا سينما (زاوية) المتخصصة فى مثل هذه التجارب. لدينا أمل أن تجد كل الأفلام الخارجة عن السياق العام فرصتها فى العرض على الجمهور، (الإنسان عدو ما يجهل)، ابتعاد الجمهور عن الأفلام التى لا يتصدرها نجوم ممن يعرفهم والتى أحيانا فى تتابعها الدرامى تخرج عما ألفه الجمهور، لا يتحمله الأفلام ولا الجمهور، ولكن دور العرض التى لا تملك الجرأة الكافية فى الدفع بتلك الأفلام، ربما مشاركة جابى خورى وهو أحد أهم أصحاب دور العرض، تلعب دور فى إلغاء حالة الغربة.

هناك دائما توجس ما كلنا نلاحظه مع الأفلام المشاركة فى المهرجانات، والدولة ممثلة فى جهاز الرقابة، الشك والريبة فى الدوافع والنوايا يلاحق صناعها، أتذكر مثلا فيلم (اشتباك) لمحمد دياب، بمجرد عودته من (كان) بعد أن شارك فى قسم (نظرة ما)، برغم التصريح بعرضه جماهيريا إلا أنه واجه تعليمات شفهية أو ربما قراءة خاطئة من أصحاب دور العرض أنه (غير مرحب به).

أنتظر أن أرى صلحا ما على الأبواب بين تلك الأفلام ودور العرض ومن ثم الجمهور، وأيضا الرقابة التى عاشت جزءا من الزمن فى حالة توجس مع كل فيلم يعبر الحدود، خاصة لو شارك فى مهرجان دولى، على الفور تصبح (الحكاية فيها إنَّ) وبسبب تلك (الإنَّ) يتم التعتيم عليه، ومهاجمته، مثلما حدث قبل ثلاث سنوات مع (ريش).

تلك القصة (الملتوتة) التى أضاعت علينا الكثير وسرقت فرحتنا بسبب توجس لا أساس له من المنطق.

وبالطبع، الخوف دائما مما يأتى من المهرجانات الكبرى حاملا الجنسية المصرية وبأيدى مخرجين مصريين ليس وليد فقط هذه الأيام، تابعناه كثيرا مع يوسف شاهين مثل (القاهرة منورة بأهلها) الذى عرض فى (كان) قسم (أسبوعى المخرجين)عام ١٩٩١، وعند عودة يوسف شاهين طالبوا بسحب جنسيته المصرية.

ولا أزال أردد على طريقة أم كلثوم (أنا عندى أمل)، خاصة مع تعيين الرقيب الجديد الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال، نأمل أن نرى حالة صلح مع الأفلام التى مثلتنا خارج الحدود ونحتفى بصناعها بدلا من (التمثيل) بها وبهم!!.

 

المصري اليوم في

24.02.2025

 
 
 
 
 

محمد رشاد: «المستعمرة» رحلة بحث عن الهوية في عالم الوحدة والعزلة

احمد العياد

في أجواء تذكر بكتابات التشيكي الأشهر فرانتز كافكا، تأتي العوالم الفيلمية للمخرج المصري محمد رشاد الذي جاء إلى مهرجان برلين السينمائي بفيلمه الروائي الطويل الأول «المستعمرة» ليقدم عرضه العالمي الأول.

عودة رشاد تأتي بعد سنوات قليلة من فيلمه الأول «النسور الصغيرة»، وهو وثائقي عُرض للمرة الأولى في مهرجان دبي السينمائي، والذي استند إلى خطوط سردية تتصل بالانتماء والهوية والعلاقات المعتقدة بين الآباء والأبناء. تلك الثيمات تتموضع لتمثل أحجار ارتكاز فيلمه الوثائقي الطويل «المستعمرة»، الذي يستدعي إلى الذهن فورًا قصة كافكا الطويلة «مستعمرة العقاب».

في برلين التقت فاصلة المخرج محمد رشاد، وحاورناه حول فيلمه الأحدث وما واجهه من تحديات إنتاجية في ظل عمله على موضوعات لا يميل المنتجون عادة إلى دعمها.

ردًا على سؤال فاصلة حول رحلة كتابة الفيلم، قال رشاد إنه يؤمن أن الأفلام لا تتكون دفعة واحدة، «ليس هناك فكرة تولد مكتملة منذ اللحظة الأولى، بل هي نتاج مراحل من التفكير والتطور».

يواصل أنه كان منجذبًا دومًا إلى المساحات الصناعية،«لطالما كانت هذه الأماكن مغرية بصريًا بالنسبة لي، لكنني لم أكن أعرف كيف يمكنني استخدامها داخل قصة واضحة. في وقت لاحق، جاءتني فكرة غير مكتملة عن شاب يعمل في مصنع لكنه لا يشعر بأي انتماء له، لا يدري لماذا هو هناك، ولا يجد لنفسه موطئ قدم داخل هذا العالم. لم يكن لدي تصور كامل عن القصة أو مسارها، كانت مجرد شظايا من الأفكار، اللحظة الحاسمة جاءت حين سمعت عن قصة شاب فقد والده، الذي كان يعمل عامل بناء وسقط من مكان مرتفع، فقررت الشركة توظيف الابن بدلًا من الأب حتى لا تحدث مشاكل. لم يكن الحدث نفسه هو ما لفت انتباهي بقدر ما كانت نظرة الشاب، هذه النظرة التي تعكس كيف يجد نفسه يبني مستقبله على موت أبيه».

يواصل رشاد: «لكن الأهم من ذلك هو التجربة والتطوير المستمر، السيناريو لا يُكتب في جلسة واحدة، بل يحتاج إلى إعادة صياغة وتجارب مستمرة، وهذه نقطة أراها غائبة كثيرًا في العالم العربي، حيث لا يتم منح الوقت الكافي لتطوير النصوص».

لماذا كان هذا هو الشعور الذي راودك ولماذا ألحت عليك هذه الفكرة تحديدًا؟

هناك جانب شخصي للغاية، فالعلاقة بين الآباء والأبناء طالما شغلتني، ودائمًا لدي تساؤلات حولها: متى يكون الابن راضيًا عن أبيه؟ ومتى يكون الأب راضيًا عن ابنه؟ هل يمكن أن يحدث تصالح بين الطرفين، أم أن هناك إرثًا نحمله عن آبائنا دون أن نجد منه فكاكًا؟

أحيانًا نجد أنفسنا نعيد إنتاج حياة آبائنا حتى وإن كنا نرفض ذلك، نرث منهم ليس فقط الأشياء المادية، ولكن أيضًا القيم، الأخلاق، وحتى المسارات الحياتية نفسها. كل هذا كان دافعًا قويًا لي لأبدأ في بناء القصة من هذه النقطة.

هل ترى أن الفيلم امتداد لفيلمك السابق «النسور الصغيرة»؟

لم أر ذلك في البداية، لكن مع الوقت واستمرار العمل على السيناريو والتفكير في الشخصيات، بدأت أدرك أنني أواصل طرح الأسئلة ذاتها التي شغلتني في «النسور الصغيرة». هناك شيء جوهري يربط العملين معًا، وهو العلاقة بين الأب والابن، حتى لو كان السياق مختلفًا تمامًا. لفت انتباهي أيضًا أن هناك أشخاصًا أشاروا إلى هذا الارتباط بعد مشاهدة الفيلم، وهذا جعلني أدرك أنني، دون وعي، كنت أواصل البحث في نفس المنطقة.

كيف تطورت الخطة البصرية للفيلم، وهل كانت هناك أعمال بصرية أخرى أثرت في تلك الخطة؟

بالتأكيد المشاهدات السينمائية لها دور كبير جدًا في تشكيل أي مخرج، لكن هذا وحده لا يكفي. أنا شخص يعشق مشاهدة الأفلام، أحب السينما منذ أن كنت طفلًا في الخامسة من عمري ومثل كثيرين من جيلي تربيت أمام التلفزيون. هذه المشاهدات المتنوعة شكّلت ذائقتي وأثرت في طريقة رؤيتي للأفلام. لكن في النهاية، الأفلام تتحدث عن الناس، وعن تجارب إنسانية، ولذلك لابد من المشاهدات الحياتية، أن يكون لديك وعي حقيقي بالناس الذين تحكي عنهم، وأن تستمع إليهم وتفهمهم. الفيلم في النهاية ليس مجرد حكاية تُروى، بل هو انعكاس للحياة نفسها، وبالتالي لا بد أن تكون لديك معرفة حقيقية بالعالم من حولك.

يدشن كل مخرج لنفسه صورة معنية من خلال أعماله، هذه الصورة تأخذها جهات الإنتاج الفني في اعتبارها عند عرض أعمال على المخرج كالإعلانات والأفلام التجارية، فهل ممكن أن تحد افلامك من فرصك؟

لا، لا أعتقد أن هناك ما يقيد المخرج، الأمر كله يتعلق بالاختيارات. هناك من ينتقل بين السينما المستقلة والتجارية، وهناك من يقرر البقاء في مساحة معينة. ربما لو سعيت لدخول مجال الإعلانات سأجد فرصة، وربما لو قدمت أفلامًا تجارية سأجد مكانًا فيها. هناك أمثلة على ذلك، مثل آيتن أمين التي أخرجت فيلم «سعاد»، وهو فيلم فني جدًا، ثم أخرجت فيلمًا تجاريًا للسوق. لا أرى مشكلة في أن يتحرك المخرج بين الاثنين، لكن الأمر في النهاية يعود إلى الخيارات الشخصية وما يسعى إليه كل فرد.

كيف تحافظ على الصدق الفني بعيدًا عن قيود التمويل وشروطه؟

سؤال مهم جدًا، وأنا أطرحه على نفسي دائمًا. هناك دائمًا مخاوف من أن يُصنع الفيلم لأسباب خارجية، سواء كانت أجندة سياسية أو سوق مهرجانات، لكنني أسأل نفسي: هل هذا الموضوع يعني لي شيئًا؟ إذا لم أشعر بأنه يخصني، لن أستطيع العمل عليه. من الممكن أن أجد موضوعًا يبدو كأنه يتماشى مع توجهات معينة، لكن طالما أنه يعنيني على مستوى شخصي، فأنا مستعد لصناعته، لأنني لن أتمكن من تقديم شيء لا أشعر به.

لماذا اخترت الاعتماد على وجوه جديدة كليًا؟

الأمر كان ضرورة وخيارًا في آنٍ واحد. كنت بحاجة لأن يظهر حسام (البطل) شخصًا مجهولًا للجمهور حتى يتعاملوا معه من دون تصورات مسبقة. كما أن الفيلم يضم طفلًا عمره 12 سنة، ولم يكن منطقيًا أن أبحث عن ممثل مشهور لهذا الدور، لذا كان لا بد من البحث عن وجوه جديدة للحفاظ على التوازن البصري والسردي. لكن هذا لا يعني أنني أرفض العمل مع نجوم، كل مشروع له متطلباته الخاصة، وفي هذه الحالة كان من الأفضل أن يكون كل شيء جديدًا.

الفيلم يحمل شعورًا دائمًا بالخطر والترقب، هل كان ذلك مقصودًا؟

نعم، وأعتقد أن هذا يعكس شخصيتي إلى حد كبير. أنا شخص مهووس بالتفكير فيما قد يحدث، دائمًا لدي إحساس بأن هناك خطرًا وشيكًا، وهذا انعكس على إيقاع الفيلم وطريقة بنائه. ربما هذا الشعور القلق هو جزء من رؤيتي للحياة، وبالتالي تسرب بشكل طبيعي إلى العمل.

 في الفيلم يخرج المصنع عن كونه مجرد مكان ويصبح شخصًا فاعلًا، هل أثر هذا في اختيار الموقع؟

-فعلًا؛ المصنع لم يكن مجرد موقع تصوير، بل كان جزءًا أساسيًا من العلاقة بين الشخصيات. اخترنا المصنع بعد بحث طويل جدًا، وعندما وجدناه، شعرنا أنه هو المكان الصحيح. كان علينا التفكير في كل التفاصيل البصرية: كيف نستخدم الألوان؟ وكيف ندمج الشخصيات في هذا الفضاء؟ كيف نجعل المكان يبدو كأنه يتحكم في مصيرهم؟ كل هذه التفاصيل جعلت المصنع كيانًا حيًا داخل الفيلم، وليس مجرد خلفية للأحداث.

هل بدأت التحضير لفيلمك القادم؟

ـ لدي بعض الأفكار، لكن حاليًا أنا أساعد المنتجة هالة لطفي في فيلم جديد تنتجه لصديقتي نادين صليب، و التي كانت مساعدة مخرج معي.

أي مِن المخرجين تحب مشاهدة أعماله؟

هذا سؤال صعب جدًا، لكن هناك أسماء كثيرة أحبها وأقدّرها، مثل أسامة فوزي، محمد خان، كمال الشيخ، بركات، يوسف شاهين، حسين كامل، وسعد عرفة، الذي أراه غير مقدر بما يكفي رغم تجاربه السينمائية المختلفة والمذهلة.

 

####

 

«كونتيننتال ٢٥».. حين يصبح التاريخ أطلالًا لحاضر هشّ

فراس الماضي

في سينما رادو جود، لا يمكن فصل الصورة عن خطابها، ولا للحدث أن يكون عابرًا بلا امتدادات فكرية وحضارية معقدة. هو مخرج يضع مجهرًا فوق التشققات الاجتماعية والسياسية في أوروبا، مستخرجًا منها تناقضات تُثير الجدل، لكنها في الوقت ذاته تُعيد ترتيب إدراكنا للعالم. بأسلوب يجمع بين الواقعية الاجتماعية، والسخرية اللاذعة، والتأمل الوجودي في مصير الفرد داخل منظومة اقتصادية قاسية، يصوغ جود لغة سينمائية حادة ونقدية ومباشرة. وفيلم «Kontinental ’25 كونتيننتال ٢٥» ليس استثناءً من هذه القاعدة، بل تأكيد آخر على قدرة جود على تحويل العبثية اليومية إلى معضلة فلسفية، والعادي إلى ميتافيزيقي، والمباشر إلى ماكرٍ يعبث بإدراكنا للواقع.

ولا يمكننا الحديث عن «كونتيننتال ٢٥» دون التوقف عند المرجعية الصريحة التي أعلنها رادو جود نفسه: أوروبا ٥١ لروبرتو روسيليني. وهو استلهام يتجلى بوضوح في المسار السردي لـ«كونتيننتال ٢٥» حتى في الاسم ذاته (أوروبا عام ١٩٥١) و(القارة عام ٢٠٢٥).

حيث تعيش بطلة الفيلم أورشولا، موظفة تنفيذ أحكام، أزمة أخلاقية بعد أن يقودها عملها إلى طرد رجل مشرد من مأواه المؤقت، لينتهي الأمر بانتحاره. هذا الحدث الجوهري يدفع أورشولا إلى رحلة شخصية تتنقل فيها بين محطات مختلفة، زيارة لصديق، حوار مع أمها التي تُمثل صوت القومية المحافظة، لقاء مع كاهن أرثوذكسي، ثم لقاء عابر مع طالبها السابق، وكل ذلك في محاولة يائسة لفهم تداعيات مسؤوليتها الأخلاقية.

فإذا كان فيلم روسيليني قد صوّر تحوّل بطلته، إنغريد بيرغمان من امرأة برجوازية إلى ناشطة اجتماعية مدفوعة بعقدة الذنب، فإن رادو جود يأخذ هذا المسار إلى اتجاه أكثر عبثية، وأكثر تجذّرًا في الواقع الأوروبي المعاصر، حيث يصبح الشعور بالذنب والعجز جزءًا من النسيج الاجتماعي نفسه، وليس مجرد لحظة تحول فردي.

ومثل أعماله السابقة، لا يقدم رادو جود حبكة متماسكة تقليدية، بل يعتمد على بناء سردي يتسم بالتشظي والتناقض. الفيلم مليء بالمشاهد التي تبدو كأنها خرجت من سياقات متنافرة: مشاهد لأطلال رومانية، لقطات أرشيفية لهبوط هيندنبورغ، فيديو طائرات مسيّرة تهاجم جندي روسي، مشهد في حديقة ديناصورات. هذه الفوضى ليست اعتباطية، بل تشكّل جزءًا من أسلوب رادو جود في تأريخ الحاضر بطريقة تتحدى التتابع المنطقي.

يبدأ الفيلم بمشاهد توثّق حياة المشرد إيون، وهو يجمع الزجاجات الفارغة في حديقة ديناصورات، مشهد يبدو كأنه استدعاء حديث لشخصية ميشيل سيمون في بودو أنقذ من الغرق ١٩٣٢ لجان رينوار. يتقاطع مصيره لاحقًا مع أورشولا، التي تؤدي عملها الإداري ببرود ممزوج بإحساس غامض بالشفقة. لكن بعد انتحاره، تتحول رحلتها إلى ارتطام متكرر بجدران المجتمع، حيث تدرك تدريجيًا أنها ليست سوى ترس صغير في آلة عملاقة.

ما يُميز «كونتيننتال ٢٥» ليس فقط بنيته السردية المتشظية، بل أيضًا كيفية استخدام رادو جود للحوار كأداة تشريحية، حيث تتحول الكلمات إلى معركة متواصلة من التناقضات. أحد أبرز المشاهد هو حوار أورشولا مع الكاهن الأرثوذكسي، الذي يحيل المسألة الأخلاقية إلى بُعد ديني جاف، يفرغ الشعور بالذنب من مضمونه الحقيقي، ليعيد إنتاجه داخل قوالب عقائدية تبريرية. الحوار هنا ليس مجرد تبادل للمواقف، بل اختبار لحدود اللغة نفسها، للمشقة التي تحملها الكلمات للوصول للخلاص. المشهد يتكرر مع صديقتها، التي تمثل نموذج الليبرالية الحديثة التي تُدين الظلم، لكن من مسافة آمنة، دون أن تتورط في أي فعل حقيقي. والتي تقول ببرود: “أنا أشعر بالشفقة على المشردين، لكني لا أتحمل رائحتهم.” هذه الجملة وحدها تلخص جوهر التناقض الأخلاقي لليبرالية الأوروبية

يواصل رادو جود هنا تكريس أسلوبه البصري المتقشف، إذ صُوّر الفيلم بهاتف آيفون ١٥، مما يضفي عليه طابعًا واقعيًا خشنًا ينسجم مع طبيعته. معتمدًا الفيلم كذلك على لقطات طويلة وثابتة، تخلق إحساسًا بالجمود والاختناق، وكأن الشخصيات محاصرة داخل أبعاد مغلقة لا مهرب منها، تمامًا كما هو حالها في واقعها الاجتماعي.

ورغم أن الفيلم يحمل بصمات جود الأسلوبية المعهودة، إلا أن «كونتيننتال ٢٥» يبدو أكثر بساطة، وربما أشد كآبة وبمزاج عام يوحي بشيء أكثر تأملاً وأقل تهكماً، فلا نجد هنا صدمات بصرية، ولا انفلاتات صاخبة في المونتاج كما عهدنا في أفلامه السابقة، بل إحساسًا ثقيلًا بالضياع واللاجدوى، يوحي بنوع من الإنهاك الفكري، وكأن جود نفسه أصبح أقل يقينًا بقدرة السينما على تغيير الواقع في عالم فقد كل معايير اليقين.

قد لا يكون هذا الفيلم الأكثر صخبًا في مسيرة جود، لكنه بلا شك واحد من أكثر أعماله عمقًا. كتأمل سينمائي في مصير الفرد داخل نظام لا يعترف إلا بالأرقام، ومرآة لعالم يتهاوى تحت وطأة اللامبالاة الجماعية: عن التناقضات، عن الأسئلة التي لا إجابة لها، وشهادة سينمائية على أوروبا التي باتت تعيش على أنقاض عهدها القديم.

 

####

 

«ما تعرفه مارييل».. ماجريت زائف وعائلة حقيقية

محمد طارق

يمكننا ملاحظة انتشار موضوع العائلة في الأفلام الألمانية المشاركة في الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، وتناوله بأساليب وحكايات عدة، بدءًا من فيلم «الضوء- The Light» لتوم تيكفير الذي افتتح الدورة، ومرورًا بفيلم «طفل الأم – Mother’s Baby» ووصولًا إلى فيلم «ما تعرفه مارييل – WHAT MARIELLE KNOWS» للمخرج الألماني فريدريك هامبليك وهو الفيلم الألماني الثاني في المسابقة بعد الفيلم المذكور قبله

يقدم فريدريك هامبليك فيلمًا يتناول أسرة ألمانية صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد أم هي جوليا وأب هو توبياس وابنتهم الصغيرة مارييل. تبدو تلك العائلة مثالًا لعائلة ألمانية سعيدة ومثالية وعصرية، إذ يمتلك الأب سيارة فولكس فاجن كهربائية وتمتلك الأم سيارة مرسيدس ويسكنون في بيت جميل مكون من طابقين يبدو أنه على أطراف المدينة، لكنه ذو تصميم معماري مميز يدل على ذوق رفيع وتدل تفاصيله على رخاء مادي تعيشه الأسرة

يبدأ الفيلم بمشهد تقف فيه جوليا مع زميلها في العمل، في مكان عمل مهجور يدخنان ويتكلمان بأسلوب غير مباشر عن تجربة أشياء جديدة ونتفهم من ذلك الحوار أنهما بشكل ما يتحدثان عن الملل الجنسي في علاقاتهما مع أزواجهما، يضبط الحوار غير المباشر نغمة الفيلم منذ البداية، هذا فيلم يستخدم الكوميديا بشكل ما للغوص حتى في أعمق القضايا الشائكة. ننتقل بعدها إلى الزوج توبياس وهو في اجتماع عمل، نراه في اجتماع يحاول الدفاع عن تصميمه للطائر ذو الرأس المقطوع، بينما يهاجمه حضور الاجتماع قائلين أن هذا التصميم بشكل ما منقول من رسومات رينيه ماجريت، أو بقولهم «Pseudo Magritte» أو «ماجريت زائف» وهنا نرى فكرة من أفكار الفيلم مقدمة من خلال ذلك وهي الزيف المشابه للحقيقة

يعود الاثنان إلى المنزل بعد اصطحاب جوليا لمارييل إلى المنزل، يدخل توبياس ويسأل زوجته عن يومها باقتضاب ثم يسألها عن مارييل، فتقول له أنها تتصرف بوقاحة. يجلس الجميع على طاولة الغداء، لتخبرهم مارييل أنها تعرف كل ما مرا به في يومهما وأنها قادرة على سماع ورؤية ما يقومان به دائمًا وذلك بعد أن تعرضت للصفع من زميلتها في المدرسة. يُكذبها الاثنان في البداية قائلا أنها تتخيل ذلك وتخترعه، وأن كل ما تحكيه عن ما حدث معهما في ذلك اليوم ليس حقيقيًا، لكن بقرارة أنفسهما يعلمان أنها تخبر الحقيقة، الأمر كله أنهما لن يعترفا بذلك، لأنه من الأفضل لهما العيش في ذلك الزيف فضلًا عن مواجهات قد تهز صورتهما أمام أنفسهما أو قد تفسد علاقتهما ببعضهما البعض

من هنا تبدأ كوميديا الفيلم في التطور تدريجيًا، لنرى جوليا وتوبياس وهما يحاولان في البداية اكتشاف ما إذا كانت مارييل تمتلك تلك القدرة فعلًا أم أنها اخترقت هواتفهما؟ أم أنها تتصنت عليهما لمعرفة كل تلك التفاصيل؟ نراهما بعدها يبدآن في تغيير تصرفاتهما لعلمهما بأن هناك من يراقبهما، أو يتحدثان إلى بعضهما بالفرنسية لعدم معرفة مارييل بها، لكن هل هذه تصرفات حقيقية أم أنهما فقط يخشان الفضيحة؟! تسير الأحداث حتى لحظات يصبحان فيها أمام فكرة أساسية تنهي الصراع الداخلي المعتمل بداخلهما: لا مجال لإخفاء الحقائق، فهل تكون المواجهة هي الحل؟ 

على المستوى البصري، فإن المخرج إلى حد ما لا يجمل الفيلم أو يستخدم أي تعقيدات بصرية في حكي قصة فيلمه وإنما يشبه الفيلم بصريًا أي فيلم دراما تجاري تراه على شاشة السينما، مع لقطات موجزة ذات غشاءات – فلاتر ملونة لوجه مارييل وهي تنظر إلى الشاشة لتعبر بها عن حالتها مع معرفتها لما يدور وربما تكون هي نظرة أيضًا للمشاهد تسائله قائلة :«وأنت أيضًا، هل تقول الحقيقة؟». لكن إلى جانب ذلك، فإن الدراما والكتابة المتماسكة للفيلم وحبكته تجعل منه فيلمًا ممتعًا خاصة مع أداءات ممثليه التلقائية التي تجعل الأبطال يبدون فعلًا كأشخاص عاديين تمامًا. يستخدم الفيلم إذًا عنصرًا غرائبيًا واحدًا لحكي شيء كلنا نعرفه جيدًا مهما أنكرناه، وهو أن أطفالنا يعرفون أو على الأقل يشعرون بما نفعل حتى وإن كنا متمكنين من إخفائه، فإحساس الأطفال كالتخاطر فعلًا خارق وثاقب لكل حائط فعلي أو وهمي

«ما تعرفه مارييل» فيلم بسيط حتى وإن استخدم الفانتازيا والخيال لتسيير حبكته، يناقش قضايا معقدة وثقيلة بأسلوب كوميدي ساخر ويمنحنا مساحة للنظر إلى أنفسنا وإلى علاقاتنا ورغباتنا الحقيقية وإمكانية التصالح مع أنفسنا مثلما يمنح لأبطاله في النهاية مساحة للتراحم والمغفرة في نهاية سعيدة نادرًا ما نجدها في أفلام المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي

 

####

 

مخرج «المسار الأزرق»: الفيلم عن الحلم والحرية في وجه الاستبداد

حسام فهمي

فاز فيلم «The Blue Trail» للمخرج البرازيلي غابرييل ماسكارو بجائزة الدب الفضي في مهرجان برلين السينمائي، حيث يقدم رؤية سينمائية تمزج بين الديستوبيا والفانتازيا وأفلام النضوج، من خلال بطلة متقدمة في العمر، تحارب من أجل حريتها وما تبقى من حياتها.

وفي حديثه مع «فاصلة» من برلين، تحدث «ماسكارو» عن فيلمه قائلًا: «هذا فيلم عن ثائرة كهلة ترفض الانصياع وتقرر تحقيق حلمها الأخير.»، حيث يصور الفيلم مجتمعًا مستقبليًا يرسل المسنين إلى مستعمرات معزولة لقضاء السنوات الأخيرة من أعمارهم فيها، إلا أن بطلة الفيلم تقرر التمرد على هذا المصير بحثًا عن معنى جديد للحياة.

ورغم أجوائه المستقبلية، يؤكد «ماسكارو» أن الفيلم يعكس مخاوف الحاضر بشكل غير مباشر، مشيرًا إلى أن تصوره للعالم لا يحدد زمانًا أو مكانًا معينًا، بل يخلق واقعًا معلقًا يجعل المشاهد يتساءل عن إمكانية تحوله إلى حقيقة.

وعن تميز الفيلم بحس فكاهي مألوف، أوضح المخرج البرازيلي: يمكننا التعامل مع موضوع التقدم في العمر بطريقة فكاهية تدعو المشاهدين للمشاركة، بدلاً من الضحك على الشخصيات.» كما أشار إلى أنه يتجنب السرد المباشر للمقاومة، مكتفيًا بإشارات بصرية تعكس رفض المجتمع للقرارات الاستبدادية.

وعن مشاركة الفيلم في برلين، عبّر «ماسكارو» عن سعادته بطرح قضايا التقدم في العمر، والبطولة النسائية في المهرجان.

وعن العودة الملحوظة للأفلام البرازيلية في المهرجانات أكد أن «ازدهار السينما البرازيلية بعد سنوات صعبة يمثل أملًا جديدًا

 

####

 

بعد فوزه بجائزة SAG.. هل يحسم «Conclave» سباق الأوسكار؟

هيثم مفيد

شهدت هوليوود عددًا من المفاجأت الكبرى فجر اليوم الإثنين، خلال حفل توزيع جوائز نقابة ممثلي الشاشة الأمريكية «SAG» الحادي والثلاثون، والذي توج نخبة من نجوم الموسم بجوائز الأفضل في التمثيل، ما أعطى لمحة عن السيناريوهات المتوقعة لجوائز الأوسكار المقرر إعلانها في الثاني من الشهر المقبل.

حصد فيلم «Conclave» للمخرج إدوارد بيرغر، الجائزة الكبرى خلال الحفل كأفضل طاقم تمثيلي سينمائي خلال موسم 2024، وفاز الممثل تيموثي شالاميت بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم «A Complete Unknown»، في واحدة من مفاجأت الحفل الكبرى، إذ كانت الأنظار متجهة نحو الممثل أدريان برودي عن دوره في فيلم «The Brutalist».

واقتنصت النجمة ديمي مور، جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «The Substance»، لتظل جائزة الأوسكار متأرجحة بينها وبين الممثلة الشابة مايكي ماديسون عن أدائها في فيلم «Anora». في حين لم تأتِ جوائز التمثيل المساعدة بأي مفاجأت تُذكر؛ حيث ذهبت جائزة أفضل ممثلة مساعدة لزوي سالدانا عن فيلم «Emilia Pérez»، وفاز كيران كولكين بجائزة أفضل ممثل مساعد عن دوره في فيلم «A Real Pain».

وخلال خطاب قبولها للجائزة، قالت ديمي مور: «كنت أفكر في هذه الليلة وأدركت أنني لم أفكر في الوقت الذي حصلت فيه على عضويتي في هذه المنظمة الرائعة. كان ذلك في عام 1978. كنت في الخامسة عشرة من عمري، أو السادسة عشرة تقريبًا. لقد غيرت حياتي لأنها أعطتني معنى. لقد أعطتني هدفًا. لقد أعطتني الاتجاه. كنت طفلة بمفردي ليس لديه مخطط للحياة. لم أكن أعرف شيئًا عن التمثيل، لكنني شاهدت واستمعت وتعلمت منكم جميعًا. لقد كنتم جميعًا أعظم معلمين لي. أنا ممتن جدًا لأنني واصلت على مدار هذه السنوات العديدة لأتمكن من المحاولة وأحيانًا أنجح وأحيانًا أفشل وأن أكون قادرًا على الاستمرار. لم أكن لأتمكن من القيام بذلك بدون دعم فريقي الرائع».

وقال تيموثي شالاميت أثناء قبوله الجائزة: «أعلم أنني قمت بعمل ذاتي، لكن الحقيقة هي أنني أسعى حقًا إلى العظمة. أعلم أن الناس لا يتحدثون عادةً بهذه الطريقة، لكنني أريد أن أكون واحدًا من العظماء. أنا مستوحى من العظماء. أنا مستوحى من دانييل داي ولويس ومارلون براندو وفيولا ديفيس، كما أنا مستوحى من مايكل جوردان ومايكل فيلبس، وأريد أن أكون هناك. لذلك أنا ممتن للغاية».

ويأتي فوز «Conclave» خلال موسم جوائز مضطرب بشكل غير عادي، حيث شهد خروج أفلام مثل «Emilia Pérez» عن مسارها بسبب الجدل. وبالتالي، فإن جائزة «Conclave» في حفل توزيع جوائز نقابة ممثلي الشاشة، إلى جانب فوزه الأسبوع الماضي في حفل توزيع جوائز البافتا، يشير إلى أنه قد ينتصر في النهاية في حفل توزيع جوائز الأوسكار.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

24.02.2025

 
 
 
 
 

بعد مشاركة Run بسوق برلين..

سامي الشيخ: عرض الفيلم بسينمات أوروبا قريبا

محمود جلال

تزامناً مع ختام الدورة الـ75 لمهرجان برلين السينمائي، فقد شارك فيلم Run بطولة سامي الشيخ ودانيال ساولي، كريستين رينتون، محمد قيسي في سوق مهرجان برلين استعداداً لعرضه في دور العرض الأوروبية قريباً.

وعلق سامي الشيخ " بدأت تصوير فيلم Run  في جزيرة بكرواتيا بعد انتهائي من مسلسل الحشاشين وهو فيلم للمخرج الألماني أوفي بول الذي عملت معه من قبل في فيلم Darfur وفريق عمل الفيلم يضم اكثر من ٧ جنسيات مختلفة من إنجلترا وأمريكا وإيطاليا والنمارك والصومال والمغرب وبالطبع مصر".

تدور أحداث فيلم Run حول مجموعة من المهاجرين من دول أفريقية مختلفة يسافرون بالقارب عبر البحر المتوسط متجهين إلى إيطاليا. ولكن عندما يضل القارب طريقه ويخرج عن المسار، تتصاعد التوترات، مما يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف بين المهاجرين والمهربين، فيلم Run يضم عدد كبير من النجوم، ومن أبرزهم: دانيال ساولي، سامي الشيخ، كريستين رينتون، محمد قيسي ومن إخراج أوفي بول.

وفي سياق آخر، تعد أحدث أعمال سامي الشيخ هو مسلسل صفحة بيضا، ويلعب سامي في العمل دور المقدم إياد توفيق، الضابط المنغمس في عمله حتى تثير فضوله قضية ضي (حنان مطاوع)، لينطلق في رحلة كشف غموضها في إطار مشوق ومليء بالإثارة.

ويضم مسلسل صفحة بيضا النجوم حنان مطاوع، سامي الشيخ، مها نصار، أحمد الشامي، تيسير عبد العزيز، حنان يوسف، وحسن العدل، إلى جانب عدد من الفنانين المميزين. العمل من تأليف حاتم حافظ، إخراج أحمد حسن، وإنتاج شركة أروما للمنتج تامر مرتضى.

وقد برز سامي الشيخ خلال موسم رمضان 2024 من خلال دور برزك إميد في المسلسل التاريخي الحشاشين، الذي تدور أحداثه في القرن الحادي عشر بشمال بلاد فارس، حول تأسيس حسن الصباح لفرقة من أكثر المخلصين للعقيدة الإسماعيلية وسماها بفرقة الفدائيين. المسلسل من بطولة كريم عبد العزيز، فتحي عبد الوهاب، نيقولا معوض، أحمد عيد، سامي الشيخ، وأحمد عبد الوهاب، بالإضافة إلى عدد كبير من الفنانين وضيوف الشرف، ومن تأليف عبد الرحيم كمال، إخراج بيتر ميمي، وإنتاج شركة سينرجي.

سامي الشيخ هو ممثل مصري أمريكي بدأ رحلته بدراسة المسرح في نيويورك، وسرعان ما حصل على أول أدواره عام ٢٠٠٥ في الفيلم الكوميدي Looking for Comedy in the Muslim World، للمخرج والممثل ألبرت بروكس، حيث أدى دور مختار المجيب مدير قناة الجزيرة.

واصل الشيخ مسيرته بأدوار بارزة في السينما والتلفزيون، حيث شارك في مسلسلات عالمية مثل Homeland، 24، United States of Tara، إلى جانب أعمال ناجحة مثل Nikita، The Unit، NCIS، Lost و S.W.A.T. كما ظهر في أفلام هوليوودية منها Attack On Darfur، Transformers: Dark of the Moon، Charlie Wilson's War، وAmerican Sniper مع المخرج كلينت إيستوود.

إلى جانب مسيرته الفنية، تم تعيين سامي الشيخ في عام ٢٠١٠ سفيرًا للنوايا الحسنة في الشرق الأوسط لصالح Y-Peer، وهي شبكة تعليمية شبابية أطلقتها صندوق الأمم المتحدة للسكان. حيث سافر الشيخ لأكثر من دولة ممثلا للمنظمة مسهمًا في نشر الوعي والتثقيف بين الشباب حول قضايا مجتمعية وإنسانية هامة.

 

اليوم السابع المصرية في

24.02.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004