ملفات خاصة

 
 
 

في وداع "برليناله 2025":

شوارع شبه خالية وصالات شبه كاملة

برلين/ نديم جرجوره

برلين السينمائي

الدورة الخامسة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

في اليومين الأخيرين لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)"، المحتفل بدورته الـ75 بين 13 و23 فبراير/شباط 2025، "يختفي" كثيرون وكثيرات من المعنيّين والمعنيّات به، عرباً وأجانب. يخفّ الزحام. تُفرغ صالات عدّة من ضيوفٍ ومدعوين يعودون إلى بلدانهم، مع أنّها تمتلئ بمشاهدين ومشاهدات آخرين، أبرزهم طلّاب، كالحاصل في عرضٍ صباحي (التاسعة والنصف صباح الجمعة، 21/ 2/ 2025) لـ"رؤوس ساخنة" لماجا أجْمِيَا يَدْ زِلَما (مولودة في بروكسل حيث لا تزال تُقيم، ولها أصول تونسية ودنماركية)، المُشارك في برنامج Generation 14Plus.

أمّا سؤال تواصل الطلّاب تحديداً مع فيلمٍ، تُسرف قصّته بمآسٍ وآلام (درب جلجلة قاسية تُفرض على ابنة الأعوام الـ12، إثر الوفاة المفاجئة لشقيقها، الذي يبلغ 25 عاماً)، فمطروحٌ لكنْ من دون إجابة واضحة، إذْ يُبدي بعضهم/بعضهنّ اهتماماً بالمعروض أمامهم، بينما آخرون وأخريات غير مُكترثين كثيراً، ومع هذا يُبدون احتراماً للمشاهدين والمشاهدات الآخرين.

"البيئة الحاضنة" للـ"برليناله" شبه فارغة أيضاً، مع أنّ إعلان نتائج المسابقة الرسمية يحصل في المساء الأخير، الذي يشهد حضوراً كثيراً، في صالة "قصر برليناله"، وخارجها. ففي خارجها شاشة كبيرة تبثّ وقائع الحاصل في الحفلة الختامية، وأناسٌ يتحدّون صقيعاً، تخفّ درجات حرارته قليلاً عن الأيام الأولى للدورة هذه، كي يتابعوا ويشاهدوا ويتمتّعوا بمعرفةٍ وتواصل.

لكنّ صالات أخرى، قريبة من "البيئة الحاضنة" (القصر نفسه، ساحة مارلين ديتريش) أو بعيدة عنها، تمتلئ بمشاهدين ومشاهدات يريدون معرفة الحاصل سينمائياً في العالم، فالعروض مستمرّة إلى اللحظة الأخيرة من اليوم الأخير، وأفلامٌ عدّة تُثير حشرية المعرفة والاطّلاع والمُشاهدة، أقلّه بعنوانينها وملخّصاتها، وبعض الملخّصات مواضيع يهتمّ بها مشاهدون ومشاهدات.

أفلامٌ قصيرة وأخرى طويلة، وبعضها معنيّ بعالمٍ عربي، كفلسطين مثلاً ("يلا باركور" لعريب زعيتر، المُشارك في "بانوراما الوثائقي"). هذا غير عابر في بلدٍ مُجنّد منذ "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) ضد كلّ حقّ فلسطيني، مع استثناءات تُسبِّب غضب يهودٍ وألمان، كـ"لا أرض أخرى" (2024) للفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، بالتعاون مع الفلسطيني حمدان بلال والإسرائيلية راحِل تسور (العربي الجديد، 15 يوليو/تموز 2024).

شوارع قليلة قرب القصر، وفي مقابله Grand Hyatt Hotel (مقرّ إقامة نجوم ونجمات الأفلام المشاركة في المسابقة الرسمية تحديداً) مغلقة أمام السيارات، لكنّها تزدحم بالمارة في أيام الدورة تلك، ومنهم/منهنّ من ينتظر وقتاً لمُشاهدة ممثل/ممثلة أو مخرج/مخرجة خارج الفندق، كما يحصل أمام السجادة الحمراء لـ"قصر برليناله". في اليومين الأخيرين، تكاد الشوارع تلك تخلو من الناس، بانتظار ليلة توزيع جوائز المسابقة.

برلين مدينة مُريحة. مهرجانها أيضاً، رغم العدد الكبير من الأفلام المعروضة في مسابقته (19 فيلماً) وبرامجه المختلفة. شوارعها مليئة بثلجٍ يختفي ببطء، منذ أول الدورة الأخيرة تلك إلى نهايتها. هذا غير حاصلٍ في الدورات الثلاث السابقة، الفاقدة ثلجاً وصقيعاً. مهرجان يواجه تحدّيات، والإدارة الجديدة (الأميركية تريشيا تاتل) تريد تطويراً يليق به. لكنّ سطوة صهيوينة تزداد قوّة في البلد برمّته، ما يُصيب المهرجان بعطبٍ أليم: عدم التمكّن من التحرّر من سطوة كهذه، مع أنّ الحضور السينمائي العربي يزداد.

 

####

 

"يونان" في "برليناله 2025": أداء يتساوى وجمال اشتغال وإخراج

برلين/ نديم جرجوره

ضيق تنفّس يؤلم منير (جورج خبّاز)، الكاتب الفاقد كلّ قدرة على الكتابة، لكنّ الفحوص الطبية تؤكّد سلامته الصحية. نصيحة الطبيب: تمضية وقتٍ في مكان منعزل، بعيداً عن ضجيج الحياة اليومية، فيختار بلدة ريفية نائية، ناسها يتحدّثون اللغة الألمانية، كمنير/خبّاز نفسه، الذي يتواصل مع شقيقته ووالدته غير الظاهرتين بالمحكية اللبنانية. يصل إلى منزل عتيق فيها، يُمكن استئجار إحدى غرفه لإقامة مؤقّتة. السيدة فالِسْكا (هانا شيغولا)، مالكة المنزل، تُصرّ على ضرورة الحجز المسبق، قبل أنْ ترضخ لإلحاحه المليء بتعبٍ وقهرٍ وحزنٍ، فتبدأ رحلةٌ تكشف له مسائل، وتُعرِّفه إلى أناسٍ، وتُخضعه لتجارب، وتدفعه إلى مواجهاتٍ شتّى، مع الذات والآخر، كما مع الماضي والراهن والموت والفقدان والخيال والواقع.

في أيامٍ عدّة، يتبادل منير كلاماً قليلاً مع فالِسْكا، لكنّه ينفرد كثيراً مع ذاته في المساحات الشاسعة لطبيعةٍ خلاّبة، رغم تقلّبات الطقس من مناخ مُشمس إلى عاصف يكاد يُطيح كلّ شيء. الكلام القليل هذا، العاديّ والبسيط أساساً، يترافق وسلوكٍ جذّاب لامرأةٍ عجوز، تمتلك من الدنيا ما يصنع سكينةً لها في تلك البلدة، وما يُفيد منير، بنظرةٍ أو تعليق أو ابتسامة أو حركة. أمّا ابنها كارل (توم فِلاشِها)، فناقم وغاضب لكنْ بصمت، وأصدقاء له يحتسون الخمرة معاً، ويُغنّون، ويمارسون لعبة عنيفة، قبل إدراكه (كارل) أنّ خللاً ما يعتمل في ذات منير وروحه، فيُحاول بمواربة شفّافة وصادقة اقتراباً منه، ولو متأخّراً.

هذا كلّه، وغيره الأجمل والأعمق، مرويّ في "يونان" لأمير فخر الدين (إخراجاً وتأليفاً)، المُشارك في مسابقة الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان برلين السينمائي (برليناله)". سرده محصّن بتصوير (رولان بلانت) غير مُكتفٍ بحِرفية ابتكار لغةٍ تُضيف إلى النصّ ما لا يقوله: حركة كاميرا هادئة للغاية، تكشف بشكلٍ مُبطّن ما يعتمل في ذات وروح، وما تعنيه الطبيعة، بتناقضات مناخها، من انعكاسٍ لهاتين الذات والروح. بعض ألوانٍ تُكمِل ما يُفترض به ألا يكون واقعياً (حكاية أشبه بأسطورة، وتداخل بين وقائعها ووناسها بوقائع عالم منير وناسه وسيرته ـ حياته)، بالإيهام أساساً، وهذا بديع، مع أنّ في كلامٍ متأخّر تفسيراً غير لائق بسحر أجواء وتفاصيل ومسالك، وبخراب ذات وروح أيضاً، يُقدّمه جورج خبّاز بأداء مليء بصدق وحِرفية، فالتعبير غير محصور بكلماتٍ تُقال فقط، لأنّ الكلام قليلٌ أصلاً، وهذا يُعينه على "استغلال" ما لديه من أدوات اشتغال، فالأهمّ كامنٌ في جعل الشخصية السينمائية حيّة وواقعية، وإنْ بصرف النظر قليلاً عمّا يبغيه المخرج ـ المؤلّف، أو إلى جانب ما يبغيه، أو ترجمة لما يبغيه، مع حيّز حرّ للممثل ليختبر طاقته مُجدّداً، وليخطو خطوة أو أكثر في تفعيل بهاء الأداء وصدقه.

هذا غير حاجبٍ أداء هانا شيغولا، التي ـ ببساطةٍ وعفوية وهدوء طاغٍ وجميل، وبشيخوخة (25 ديسمبر/كانون الأول 1943) تُضفي على الأداء عفوية عميقة في قولٍ وتصرّف ونظرة ـ تذهب عبر فالِسْكا إلى داخل منير بسلاسة، مرتكزةً على ما في شيخوختها (امرأة، أم، أرملة) من اشتغالات مديدة، تمنحها حنكةً في تعرية الفرد أمامها، إنْ يكن الفرد ابناً لها أو زائراً "غريباً".

أيكون هذا الغريب (منير) امتداداً لغريبٍ سابق يُدعى عدنان (أشرف برهوم)، في "الغريب" (2021)، أول ثلاثية، ثانيها "يونان"، وثالثها غير معلومٍ إلى الآن، رغم أنّ فخر الدين يُحدِّد عنواناً عامّاً له: إنّه عن امرأة، فالمرأة بالنسبة إليه أملٌ وقدرة على التحمّل والشجاعة؟ يقول: "الأول غريبٌ بين أهله وناسه. الثاني (منير) سيكون غريباً بين غرباء"، وهو في الوقت نفسه "غير قادرٍ على العودة من المنفى ـ المهجر، بينما عدنان باقٍ في مكانه" (العربي الجديد، 16 مايو/أيار 2022).

يصعب التغاضي كلّياً عن الشخصيتين/الفيلمين. الغربة موحشة، إنْ تكن بين غرباء، وهذا يُترجمه جورج خبّاز بحِرفية أداء تمتلك جاذبية المُشاهدة والمرافقة والإحساس. لكنّ الموحشَ أكثر غربةُ فردٍ بين أهله وناسه وفي بيئته، وهذا يتطلّب أداءً أقسى وأعمق، يصنعه أشرف برهوم بكلّ ما فيه من انفعال وتفكير وتأمّل ومهنيّة ومصداقية.

لا مقارنة بين أداءي أشرف برهوم وجورج خبّاز، بل محاولة لتبيان شيءٍ من أدوات اشتغالهما. فالشخصيتان، عدنان ومنير، غارقتان في بؤسٍ وانكسار وتمزّق وقهر وخيبة وضياع، وماثلتان أمام ما يُشبه "محكمة ذات وروح" (مع أنّ خارج ذاتٍ وروح أقسى في التعامل معهما)، تريد (المحكمة) أنْ يكتشف كلّ واحدٍ منهما ما يغفل عنه، أو ما يسبقه، أو ما يتنصّل منه، أو ربما ما يرغب فيه وإنْ من دون إعلانه. والأداء، إذْ ينبثق من اختبارات وتراكمات معرفية ومهنية وحِرفية، يعكس جوّانيات كلّ شخصية وتفاصيلها، بتعابير لا مكان فيها لأي كلامٍ غالباً، مع أنّ بعض الكلام حاضرٌ، وبعضه الآخر مطلوب، ومع هذا يترفّع أمير فخر الدين عنه كثيراً، لانهماكه في التقاط النبض، بتناقضاته، في أعماق كلّ شخصية منهما، عبر صُور وملامح.

تفسير الحاصل بين منير ووالدته (نضال الأشقر. ما سبب نُطق شخصيتها بحرف القاف، المعروف عند أبناء الطائفة الدرزية وبناتها، مع أنّ نبرتها غير منتمية إلى البيئة الاجتماعية الدرزية؟ علماً أنّها غير ناطقة بهذا الحرف في كلمات أخرى)، شبه الغائبة عن الصورة رغم أنّ صوتها حاضرٌ، صادمٌ (سلبياً)، فالمتخيَّل أجمل، والمعلَّق أفضل، وغير المفهوم مباشرة أقدر على تأمّل أعمق في المُشَاهَدِ، خاصة أنّ مواربات عدّة تساهم في غموضٍ بصريّ مُحبَّب (يُفترض بغموضٍ كهذا ألا يبقى غامضاً بالنسبة إلى منصرفٍ بكلّيته إلى المُشَاهدة)، في نصّ كهذا النصّ السينمائي الذي يبدأ ببيت شعر للمتنبي: "أغالبُ فيك الشوق والشوقُ أغلبُ/ وأعجبُ من ذا الهجر والوصلُ أعجب"، وينتهي بقصيدة تستعيد حكاية الراعي الذي لا يملك شيئاً إلا امرأته الجميلة وقطيعاً من الغنم (لا أذنان له ولا أنف ولا فم، كأنّه تمثيلٌ لأسطورة القرود الثلاثة، أو امتدادٌ لحكايات مستلّة من الراعي وامرأته الجميلة).

تفسيرٌ كهذا يُقال بكلمة. لكنْ، رغم ثقله السلبي غير المقبول، لن يحول دون إكمال النص السينمائي إلى خاتمةٍ، يُفترض بها أنْ تكون خلاصة مطهر. أمّا يونان، الاسم (النبي يونان) وعنوان الفيلم، فيحتمل معانيَ ورموزاً تنفلش أمام الكاميرا تدريجياً، وتظهر ببطءٍ غير نافرٍ، ويُلمَّح إلى جوانب من شخصيته عبر أقوال مباشرة إلى منير، التائه في ذاته وروحه، كأنْ لا خلاص ولا انبعاث (أصحيحٌ أنْ لا خلاص ولا انبعاث؟).

 

العربي الجديد اللندنية في

24.02.2025

 
 
 
 
 

في مهرجان برلين: فيلم “يونان” للمخرج السوري أمير فخر الدين

أمير العمري- برلين

أتصور أن اختيار أي ممثل لدور معين، يجب أن يكون متناسبا في شكله وملامحه الخارجية مع الشخصية التي يؤديها حتى يكون مقنعا ويوصل للمشاهدين التأثير المطلوب، إلا لو كان الاختيار مقصودا منه تحقيق تأثير عكسي، فعندما يختار المخرج ممثلا بدينا ثم يجعله يبدو مهملا في ثيابه ومظهره بحيث يظهر في صورة كائن همجي حتى في سلوكه وطريقته في الكلام، ويسند إليه شخصية مثقف ثوري يفتي في قضية الثورة على السلطة الرجعية مثلا، فلابد أنه يقصد التعريض والسخرية من هذا المثقف والنيل منه.

في رأيي الخاص، نتيجة استقبالي الشخصي لفيلم المخرج السوري الأصل أمير فخر الدين، المولود في أوكرانيا والمقيم حاليا في ألمانيا، أن اختياره الممثل اللبناني خليل خباز للقيام بالدور الرئيسي في فيلمه “يونان” Yunan وهو عنوان لم أجد له معنى واضحا في الفيلم، فهو الاسم التوراتي للنبي يونس في “سفر يونان”، وتذكر الأسطورة الدينية أنه عصى الله في البداية فغضب الله عليه فجعل الحوت يبتلعه ليقضى ثلاثة أيام في بطن الحوت قبل أن يتوب إلى الله ليلفظه الحوت ويعود إلى الحياة.. ولكن ما مغزى القصة التوراتية واختيار الاسم التوراتي هنا؟ لا أظن أن أحدا سينجح في العثور على أي صلة مع موضوع الفيلم وشخصيته الرئيسية. وهذا النوع من الغموض المقصود يسود الفيلمَ كله وذلك لإضفاء قدر من الشعرية وتجاوز رواية قصة، مع التركيز على تصوير “حالة” وجودية.

الغموض إذن هو السمة الأساسية في الفيلم الذي عرض بمسابقة مهرجان برلين السينمائي الـ75، ولاشك أنه ينطلق من فكرة نظرية طموحة، إلا أنه لا ينجح في تجسيد تلك الفكرة، فينتهي كما بدأ، أي دون تعميق للشخصية أو تطوير للموضوع لحالتها والأهم، نقل الإحساس بأزمة بطله المفترضةـ فالغموض الذي يطغى على الموضوع يقلل كثيرا من قيمة الفيلم والقدرة على استقباله. وتختلف النظرة إلى الفيلم بطبيعة الحال، حسب ثقافة المتلقي ونظرته الخاصة للسينما الحديثة وخبراته المتراكمة في التعامل مع هذا النوع من الأفلام.

اختار المخرج فخر الدين، ممثلا ضخم الجسد هو اللبناني جورج خباز، وأسند إليه دور كاتب من العالم العربي يدعى “منير”، يبدو في الحقيقة كالمصارع، فهو يسير في بطء، يتأرجح يمينا ويسارا بفعل وزنه المفرط، بحيث يشبه ثورا يتحين لحظة أن ينطح فريسته، كما سيجعله المخرج (وهو نفسه كاتب السيناريو) يمارس المصارعة بالفعل فيما بعد!

يفترض إذن أن يكون “منير” كاتبا روائيا مرهف الحس، يعاني من وطأة الشعور بالغربة في المهجر منذ سنوات بعيدة، ولكن الافتراضات دائما ما تأتي بعكس ما ترمي إليه. وهي سمة من سمات الكثير من الأفلام التي عرضت في دورة مهرجان برلين ومنها على سبيل المثال فيلم “المستعمرة” المصري الذي سبق أن تناولته بالنقد والتحليل.

إننا نرى منير في البداية، في شقته بمدينة هامبورج، شاردا، يعجز عن ممارسة الجنس مع صديقته الألمانية، تصيبه نوبات من الشعور بضيق التنفس، وعندما يستشير الطبيب لا يجد الطبيب سببا عضويا لحالته، بل هي غالبا حالة نفسية ناتجة عن شعور قاس بالغربة، وينصحه الطبيب بأن يأخذ عطلة، و”يستنشق الهواء” (كذا)، إلا أن منير الذي يرسل المال إلى شقيقته في الوطن، ويتخلى عن صديقته، يهجر هامبورج ويتجه إلى إحدى جزر “هالينغ” الألمانية الواقعة قبالة الساحل الشمالي، وهي جزيرة  منعزلة نائية، يستقل أولا القطار ثم قاربا أو عبّارة، يحمل في حقيبته الصغيرة مسدسا، والواضح أنه يريد أن ينهي حياته هناك، في تلك الجزيرة النائية. لكنه سوف يفشل في تحقيق هذه الرغبة، أو ربما ستجذبه الطبيعة المتألقة هناك ليستعيد الرغبة في مواصلة العيش. وكلها بالطبع محض استنتاجات أو افتراضات واهية، فالفيلم يخفي أكثر كثيرا مما يظهر، ويترك الكثير لمشاعر المتفرج وقدرته على التماهي مع تلك الشخصية التي لا نعرف لها تاريخا باستثناء أنها شخصية تتماهى مع الصحراء، مع شخصية راعي غنم من عهود ماضية، يتبدى له في قصة موازية تظهر كثيرا، كانت تقصها والدة منير عليه في طفولته واستقرت في ذاكرته.

يتصور أي مشاهد للفيلم أن منير، الكاتب الذي يعاني من الاكتئاب، من الطبيعي أنه يعزف عن تناول الطعام، ولابد أن يصبح نحيلا، شاحبا، لكن المخرج يسند الدور إلى جورج خباز الذي يعاني من زيادة كبيرة في الوزن، وعلامات صحة وقوة لا تخطؤها العين. وهكذا يبدو كما لو أن “منير” يزداد وزنه كلما ازدادت معاناته، وهو اختيار يفسد الكثير من قدرة الفيلم على الإقناع، ناهيك عن الاستمتاع، لكن يبدو أن الملامح العربية التقليدية البارزة عند هذا الممثل كانت وراء ذلك الاختيار الخطأ، الذي ربما يتسق مع الصورة النمطية عن “العربي” – البدوي الصحراوي، في الغرب!

تبدو فكرة الرحيل إلى مكان بعيد لإنهاء الحياة في منطقة نائية وسط الحيوانات، قريبة من فكرة فيلم المخرج اليوناني ثيو أنجلوبولوس “حارس النحل” The Beekeeper مع الفارق الكبير بين العملين، وكذلك فرق الموهبة والخيال والمهارة في التعبير بل وكثافة الموضوع، ودرجة النجاح في صياغة سياق شعري.

في الوقت نفسه، أساء المخرج الاختيار أيضا عندما أسند الى الممثل الفلسطيني علي سليمان دور راعي الغنم الشاحب، العاجز عن الكلام، كفيف البصر، وكان من الأفضل كثيرا أن يعكس الاختيار، فيسند دور الكاتب الى علي سليمان، ودور راعي الغنم الى جورج خباز. ولكن هل هناك علاقة واضحة مقنعة بين القصة التي يستدعيها البطل من ذاكرة أمه المصابة بداء الخرف، أي قصة الراعي الذي ليس له عينان ولا أذنان ولا فم- كما تقول له، وبين شخصية الكاتب المكتئب بفعل الغربة الطويلة الذي يرغب في الانتحار في أرض بعيدة وإن اختلفت تماما في طبيعتها الخضراء عن الصحراء القاحلة؟

منير لن ينتحر، وسيتفرع الفيلم إلى فروع أخرى بعيدة عن الخيط الأساسي بغرض تكثيف “الحالة” الذهنية والنفسية في سياق يحاكي أسلوب السرد الشعري، من دون أن ينجح، فلا يكفي أن تبدأ الفيلم ببيت من أشعار المتنبي، أو أن تجعل الكاميرا بين آونة وأخرى، تمسح الجدران في حركة بطيئة، أو تتوقف في لقطات طويلة، تتأمل جمال الطبيعة في تلك المنطقة النائية التي يتصادف أيضا أن يضربها طوفان لا يحدث سوى كل مائة سنة، يتسبب في إغراق الأراضي والمنازل ماعدا تلك المنازل المشيدة فوق ربى ترابية، وكلها تفاصيل تتمتع بجمالها الشكلي المستقل بعيدا عن السياق.

أما الحدث الأهم وربما الوحيد في الفيلم فهو أن منير يلتقي بامرأة كبيرة السن كثيرا، صاحبة فندق أو مأوى وحيد على أطراف البلدة، هي “فاليسكا”، التي تقوم بدورها الممثلة الألمانية المخضرمة هانا شيجولا، لكن فاليسكا لا يمكنها أن تمنحه غرفة فجميع الغرف كما تقول، شاغرة (لا أحد يعرف من الذي يريد أن يأتي إلى هذا المكان للإقامة في فندق بائس من هذا النوع وماذا يفعل هناك في جزيرة لا يقطنها أكثر من مائة شخص أوأكثر قليلا!).. ولكن بعد إلحاح واستعطاف من جانبه، يرق قلب فاليسكا، فتمنحه مكانا للإقامة في منزل شبه مهدم في البلدة نفسها.

وتدريجيا تصبح فاليسكا الوجه الإنساني لشخصية “الآخر” الأوروبي، أي الوجه غير العنصري الذي يرحب ويحتضن القادم الجديد حتى لو كانت ملامحه غريبة، بل وتصبح بمثابة أم له، ترعاه وتقدم له النصح ولو في كلمات لا معنى لها كما عندما تقول له مثلا أنه يجب أن يقلل من كمية الهواء الذي يستنشقه لكي يتغلب على ضيق التنفس!

أما ابنها “كارل” فيبدو في صورة مغايرة، فهو يتوجس من هذا الغريب، ولا يتبادل معه أي حديث، على الأقل في البداية، إلا أنه سيصبح فيما بعد أكثر لطفا ورقة عندما يدعوه للالتحاق به ورفاقه الذي يشربون ويفرطون في احتساء الخمر في الحانة.

سنرى أيضا مشهدا طويلا لا يضيف شيئا سوى المزيد من الثقل في الإيقاع المترهل للفيلم (الذي يتجاوز ساعتين) عندما يصر منير على منازلة كارل في المصارعة، مرة ومرتين وثلاثة، وفي كل مرة يهزمه كارل ويسقطه أرضا، فما المقصود؟ هل يسعى منير للموت على يدي كارل؟ هل يريد أن يثبت لنفسه أنه مازال يتمتع بالقدرة على الاستمرار في العيش بعد أن وجد في تلك الجزيرة صورا مدهشة للحياة، للخضرة، للمياه، للطبيعة الفاتنة، وهي صور تتناقض مع صورة الصحراء الجافة التي تتبدى في المشاهد المتخيلة لراعي الغنم وزوجته الجميلة التي تخدمه في صمت؟

يعود الفيلم مرات عدة، إلى قصة راعي الأغنام وزوجته، تقريبا بنفس تفاصيل الصورة وزوايا الكاميرا، ونفس الكلمات التي نسمعها على لسان والدة منير التي يتخاطب معها تارة عبر السكايب، أو يستدعي القصة التي كانت ترويها له في الحلم تارة أخرى.

فيلم “يونان” من تلك الأفلام التي تهجر الشكل القصصي الدرامي، والسرد الخطي، تكتسي أكثر بالغموض والمسحة الخارجية الشعرية، وهو شكل يجذب هواة هذه التجارب السينمائية، إلا أن الفيلم بكل ما يشوبه من غموض بدءا من عنوانه نفسه، ثم إغفال الكثير من الأسباب والإشارات التي قد تسلط بعض الضوء على سبب معاناة منير في الغربة بعد أن عاش في المهجر طويلا.

فخر الدين يهمل عن عمد، الحبكة، المسار القصصي، تسليط أضواء على دوافع الشخصيات وواقعها ومأزقها: نحن مثلا لا نعرف من أين جاء منير، ولماذا هو في المنفى أصلا بينما أمه وأخته مازالتا تعيشان في الوطن، وهذا الوطن غير محدد، كما لا نعرف لماذا اختارت “فاليسكا” العيش مع ابنها في هذه الجزيرة النائية، أو معنى وجود فندق صغير لزوار لا وجود لهم.. وغير ذلك، وهذا الغموض جزء أساسي من الأسلوب، فليس المقصود رواية قصة بل التعبير عن حالة ذهنية، ولكن النتيجة ليست مؤثرة كما كانت مثلا في حالة “حارس النحل” لأنجلوبولوس، أو “نوستالجيا” لتاركوفسكي.

إن إهمال السرد القصصي وإضفاء الغموض على الشخصيات في علاقتها بالمكان على الرغم من الاهتمام البصري الكبير بتفاصيل المكان، لا يكفي وحده لتحقيق الطابع الشعري رغم أن فخر الدين ومصوره الكندي رولاند بلانت يشحنان الفيلم بلقطات بديعة منعزلة للبيئة الطبيعية: الحيوانات وأسراب الطيور، المياه التي تغمر الأرض في مشاهد الطوفان، البيوت التي تطل من بعيد وقد أصبحت جزرا صغيرة طافية فوق الماء.

يحاول فخر الدين أن يجعل بطله يتماهى مع الطبيعة ويشعر بها، ويجعلها تغيره وتغير نظرته للعالم. لكنه سيتجه قرب النهاية إلى إدخال مشهد مفتعل كثيرا (وتقليدي ومتوقع) عندما يجعل فاليسكا تقوم بتشغيل أسطوانة لأغنية عربية راقصة، ثم تجذب منير ويندمج الاثنان في رقصة طويلة مشتركة على نغمات وإيقاعات الموسيقى العربية، لينتهي الفيلم منتصرا للحياة على الموت.

لا يجب أن تسأل عما يمكن أن يكون دافع فاليسكا إلى أن تصبح كما رأينا، الأم البديلة على المستوى النفسي للرجل الغريب، فهي رمز أكثر منها شخصية من لحم ودمـ فالرمزية تغلب على الفيلم: تعاقب مرور القطارات من النافذة التي ظهر في خلفية اللقطة خلال محاولة منير ممارسة الجنس مع صديقته في غرفته بهامبورج في البداية، إشارة إلى  مرور الزمن، تطلع منير إلى الحيوانات بحيويتها وتألقها مما يشي بقوة التشبث بالحياة رغم الطوفان الذي أصاب الجزيرة، حيوية السكان الذين يحتفلون بالحياة وبالرقص والمصارعة والشراب والغناء رغم الطوفان، تطلع الحيوانات لمنير بنظرات متوجسة باعتباره غريبا عن المكان، ورمزية العلاقة بين فاليسكا ومنير، التي تشير إلى حتمية التقارب في الحس الإنساني المشترك الذي لا يفرق بين الأعراق والألوان، لكن الزمن السينمائي الذي كان يمكن أن يصبح أكثر انضباطا، لا يحقق للفيلم الطموح الذي أراده له مخرجه، فالشعر يظل على السطح، مباشرا، مفروضا على الصورة.

يجب أن نذكر أن “يونان” هو الفيلم الثاني من ثلاثية “الوطن” التي بدأها أمير فخر الدين بفيلم “الغريب” (2021) الذي مثل فلسطين في الأوسكار، ويعتزم إكمالها بفيلم “نوستالجيا: حكاية في فصولها الأولى”، وقد اشتركت في إنتاج “يونان” جهات متعددة من الأردن وألمانيا وفلسطين وكندا وفرنسا وإيطاليا.

 

موقع "عين على السينما" في

25.02.2025

 
 
 
 
 

عريب زعيتر: «يلا باركور» رسالة انتماء للوطن وسط ما نعانيه من مآسي

احمد العياد

في ظل الأوضاع المُتأزمة في قطاع غزة، والممتدة حتى بعد انتهاء الحرب الشنعاء عليها، والتي استمرت لما يزيد عن عام كامل، حملت المخرجة الفلسطينية عريب زعيتر على عاتقها نقل واقع تلك البُقعة من الأرض التي عانى أبنائها لسنوات طويلة، ويلات الحصار والدمار قبل ويلات الحرب والاستشهاد.

ففي قسم «البانوراما»، بمهرجان برلين السينمائي الدولي، الذي اختتمت دورته الخامسة وسبعين قبل يومين، شاركت المخرجة عريب زعيتر بفيلمها الوثائقي «يلا باركور»، والذي فاز بالمركز الثاني في جائزة الجمهور، الذي يرصد في ظاهره قصة لاعب باركور محترف في غزة، وفي باطنه يسلط الضوء على غزة.

في حديثها مع «فاصلة» تحدثت «عريب» عن التحديات التي واجهت خلال مرحلة ما بعد الإنتاج للفيلم، والتي تزامنت مع أحداث السابع من أكتوبر، ما دفعها إلى إعادة النظر في سياق الفيلم ليعكس الواقع الفلسطيني بشكل أكثر صدقًا وواقعية.

وأكدت أن والدتها كانت مصدر إلهام كبير لها خلال العمل، حيث كانت دائمًا ما تبدي بردود أفعال قوية تجاه الحروب والاستبداد الذي يعانيه شعبها، مما جعل الفيلم يبدو وكأنه «رسالة موجهة إليها».

وأوضحت زعيتر أن الفكرة الرئيسية للفيلم تدور حول الانتماء، قائلة:

«عندما يغادر الإنسان وطنه، يشعر بالإثارة لاستكشاف أماكن جديدة والتعرف على ثقافات مختلفة، لكن مع مرور الوقت، يطغى الحنين على هذا الحماس، ويبحث عن الاستقرار والراحة النفسية التي لا تتحقق إلا في المكان الذي ينتمي إليه حقًا، حيث جذوره وتاريخه».

وخلال تصوير الفيلم، كان الوضع في غزة حاضرًا في ذهن زعيتر، حيث سلطت الضوء على معاناة أهلها تحت الحصار الدائم، وخاصة الأطفال الذين يولدون وسط الدمار ولا يعرفون واقعًا آخر، مشيرة إلى أنها أرادت تقديم «حالة إنسانية» من خلال فريق العمل الذي صورته.

وعن عرضه في مهرجان برلين السينمائي، أعربت عن قلقها إزاء التعامل الذي قد يلقاه الفيلم، مستشهدة بسوابق «المعاملة السيئة» التي تعرضت لها أفلام فلسطينية في المهرجانات الغربية، وآخرها كان الغضب السياسي تجاه فيلم لا أرض أخرى، الذي عرض ضمن نفس القسم العام الماضي، ما يجعل تجربة العرض هناك محفوفة بالمخاوف، لكنها في الوقت ذاته تؤكد أهمية وصول صوت الفلسطينيين إلى الساحة السينمائية العالمية.

يُذكر أن «يلا باركور» عُرض سابقًا ضمن برنامج «رؤى عربية» في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وحصل على دعم صندوق البحر الأحمر، وهو إنتاج مشترك بين السويد، فلسطين، السعودية، قطر، وعدة جهات أخرى.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

25.02.2025

 
 
 
 
 

فيلمان قصيران في "برليناله 2025": وقائع قاسية في اشتغال عادي

برلين/ نديم جرجوره

يحدث أنْ يُعرض فيلمان قصيران عربيان في برنامج واحد (Forum Expanded)، في الدورة الـ75 (13 ـ 23 فبراير/شباط 2025) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، يتضمّن أربعة أفلام، يُعرض العربيان بينها في نهايته: "آخر يوم" (2024، 5 دقائق) للمصري محمود إبراهيم، و"البساتين" (2025، 23 دقيقة) لأنطوان شابون (مُقيم في باريس، ودارس اللغة العربية في جامعة القديس يوسف في بيروت، متخرّجاً منها عام 2019). الفيلمان عربيان، مع أنّ إنتاج "البساتين" فرنسيٌّ، فمادته الأساسية سورية، وشبابه الأربعة سوريون.

المشترك بينهما كامنٌ في هدم منازل، وإنْ تكن الأسباب مختلفة، وخلفياتها أيضاً، كما المسارات الآيلة إليه (الهدم). فالمصري يعاين مواربةً حالتي هدمٍ حاصلتين في كفر الدوّار (القاهرة) وحيّ الشيخ جرّاح (القدس المحتلّة) مطلع عام 2022، بينما يهتمّ الفرنسي بمنطقة بساتين الرازي في دمشق، بعد هدمها (2015) في البدايات الأولى للثورة السورية، المدنية والسلمية والعفوية (2011). هدم منازل مصريين في القاهرة متأتٍ من سياسات سلطةٍ حاكمة، تدّعي تطويراً للمدينة، بينما تعمل على تغييب معالمها لصالح مدينة أخرى، ربما تكون نقيضاً لها، كما يحصل في بساتين الرازي تماماً، إذْ يُروَّج، لإخفاء قتل وتدمير أسديّين، لمشروع مدينةٍ حديثة وعصرية، تتناقض بدورها مع المدينة الأصل، والمشروع هذا تصنعه تقنية الأبعاد الثلاثية، التي يُتقنها شبّان وشابات سوريون، لن تظهر وجوههم أبداً أمام الكاميرا (جولييت بارّا).

الهدم الإسرائيلي، المترافق مع طرد سكّان أصليين بالقوّة و"القانون"، يكاد يتساوى مع الهدم المصري المترافق، بدوره، مع طرد سكّان ربما يكونون أصليين، أي أبناء المنطقة وبناتها المولودين فيها ضمن مسار تاريخي مديد. مع الهدمين، هناك حربٌ أسدية، تُغيّر معالم جغرافيّة بقتل ناس البلد/المدينة وتهجيرهم وتغييبهم، وإلغاء أمكنة وعمارات. هذا يطرح سؤالاً غير نقديّ: أمقصودٌ عرض الفيلمين، أحدهما تلو الآخر، للقول علناً إنّ الهدم واحدٌ ومتشابه، إنْ يكن إسرائيلياً أو مصرياً أو سورياً/أسدياً؟ أمْ أنّ القصد كامنٌ في أنّ عرض الفيلمين العربيّين في برنامج واحد يعكس شيئاً من خراب بلدان وقهر ناسها، علماً أنّ الفيلمين الآخرين، "بوابات" (2025، 16 دقيقة) للإسبانية الفنزويلية إلينا دوكي و"مدينة الصفيح" (2024، 20 دقيقة) للأيرلندي فِرغل وارد، يهتمّان بدورهما بمدن وطبيعة حولها تختفي، وأحدهما (مدينة الصفيح) يخترع مدينة، ليستعيد تاريخاً نضالياً في أيرلندا الشمالية، ودور الألمان الغربيين (وبريطانيا طبعاً) حينها؟

هناك تفاعل عاديّ مع الأفلام الأربعة، يُعلنه مشاهدو هذا البرنامج ومشاهداته بهدوء. فهل المتابعة الألمانية ـ الأجنبية لأحوال فلسطين المحتلّة وسورية الأسد ومصر العسكر محصورة بنشرات تلفزيونية، والفيلمان هذان (كأفلامٍ أخرى في دورات سابقة، أو في عروضٍ تجارية إنْ تكن هناك عروضٌ تجارية ألمانية لأفلامٍ عربية، تعكس رأياً أصدق وأعمق وأكثر إثارة لنقاش وتساؤل) يمنحان الغربيّ الأجنبيّ فرصةً لتنبّه، ولو مؤقّت (على ألاّ يكون التنبّه عابراً وسريعاً)، إلى حاصلٍ في بلدان عربية؟

هذا غير حاجبٍ نقداً. "آخر يوم" ركيك في اشتغاله البصريّ وأدائه التمثيلي، مع اعتماده على مكانٍ واحد ضيق، وزمن درامي غير طويل. الشقيقان زياد ومودي (زياد رضا ومحمد محمود) يوضّبان أثاث شقّة عادية في منطقة شعبية، لأنّ قراراً رسمياً يقضي بهدم العمارة لتوسيع الطرقات. يُعرف هذا بفضل نشرة أخبار لمذيعة تسرد وقائع المشروع، قبل أنْ تسأل مراسل الإذاعة عن آخر تطوّرات الهدم الإسرائيلي (مستوطنون أساساً، بحماية الجيش الإسرائيلي كالعادة) في حيّ الشيخ جراح بالقدس المحتلة، وطرد ناسه منه. "البساتين" يرافق أربعة شباب سوريين في رحلة بين الأبعاد الثلاثية وخرائط منطقة بساتين الرازي ومحيطها، مع صُور قليلة واشتغالات كثيرة على أجهزة الكمبويتر، واستعادة ذكريات بأصوات أناسٍ غير ظاهرين (لعلّها أصوات الشباب الأربعة)اللعبة البصرية عادية (لا تظهر وجوه الشباب الأربعة أمام كاميرا بارّا، المُكتفية بتصويرهم/هنّ من الوراء، ولا ظهور لأصحاب الأصوات التي تروي حكايات من ماضٍ وراهنٍ)، وأسلوب الاشتغال أقرب إلى الوثائقي.

لا كلام بين الشقيقين المصريين، بينما الكلام كلّه للسوريين الأربعة، الذين يجهدون في أعمال التصاميم والخرائط وهندسة العمارة بما يمتلكون من تقنيات حديثة، من دون إغفال النواة الدرامية الجوهرية: هناك مدينة مُدمَّرة، بهدف إنشاء مدينة أخرى على أنقاضها.

"آخر يوم" مُكتفٍ بتكثيفٍ درامي ـ بصري، ينتهي بهدم منزلٍ يُفترض به أنْ يكون مصرياً، أو لعلّه فلسطينيّ، فالمشترك متمثّل بتزامن هدم المنازل في القاهرة والقدس المحتلة. بينما ينتهي "البساتين" بمشروع إعماريّ حداثوي، غريبٍ عن مدينة "جميلة" كما يُسمع بصوت أحدهم/إحداهنّ (شابان وشابتان)، لن تُشبه الأصل أبداً.

 

العربي الجديد اللندنية في

25.02.2025

 
 
 
 
 

«Têtes Brûlées»... عندما يواجه الأطفال فاجعة الفقد

الفيلم التونسي - البلجيكي حصد تنويهين بمهرجان «برلين السينمائي»

القاهرةأحمد عدلي

حين يباغتنا الفقد، يصبح الصمت أكثر عمقاً، فالأماكن التي كانت تمتلئ بالضحك يوماً ما فقدت بريقها وحيويتها، لكن ما انعكاس الفقد على الأطفال؟ وكيف يواجهون الحزن عندما لا يكون لديهم كلمات كافية لوصفه؟

الفيلم الروائي التونسي - البلجيكي «Têtes Brûlées»، الذي عرض للمرة الأولى عالمياً في مسابقة «أجيال +14» بمهرجان «برلين السينمائي» عبّر عن كل هذه المشاعر، ونال تنويهين خاصين من لجنتي تحكيم المسابقة ولجنة التحكيم المستقلة.

واعتبرت لجنة التحكيم الفيلم «عملاً أول رائعاً يقدم لمحة نادرة عن عالم من التضامن والحب من خلال عيون فتاة صغيرة، بأسلوب بصري متجدد وسرد عاطفي صادق، يسلط الضوء على تعقيدات الحزن، موضحاً كيف يمكن للفقدان أن يكون مؤلماً ودافعاً للتغيير»، معتبرة أنه «عمل جريء ورقيق في آنٍ واحد، يذكرنا بقوة التكاتف في الأوقات الصعبة».

في الفيلم الروائي الجديد «Têtes Brûlées»، تطرح المخرجة التونسية ماية عجمية هذه الأسئلة من خلال قصة «إيا»، فتاة في الثانية عشرة من عمرها، تجد نفسها في مواجهة فقدان غير متوقع لأخيها الأكبر «يونس»، الشخص الذي كان يمثل عالمها بأكمله، في وجودها بصفتها تونسية في بروكسل، حيث التقاليد والعادات تحدد إيقاع الحياة والموت.

على مدار الأحداث الممتدة لـ84 دقيقة، نشاهد «إيا» وهي تعيش حزنها الخاص وسط تضامن المجتمع الذي يحيط بها، لكنه لا يملك القدرة على انتزاع الحزن من قلبها، في تجربة سينمائية تعبر عن القوة في مواجهة الألم، والتضامن الذي يخفف وطأة الفقد، والإيمان الذي يمنح القوة في أحلك الأوقات.

تقول المخرجة التونسية ماية عجمية لـ«الشرق الأوسط» إن «الفيلم يحمل بُعداً شخصياً، لكنه ليس سيرة ذاتية خالصة». مشيرة إلى أن «القصة مستوحاة جزئياً من حياتها، لكنها لم ترغب في أن يكون الفيلم وثائقياً عنها أو عن عائلتها، الأمر الذي دفعها لخلق مساحة روائية تجعل التجربة عالمية، لأن الحزن في النهاية تجربة مشتركة بين جميع البشر».

توضح عجمية أن فكرة الفيلم بدأت من فيلم قصير كانت قد أخرجته حول الموضوع نفسه في عام 2022، حين التقت بالمنتج المشارك في الفيلم الذي أعجب بالفيلم القصير بعد مشاهدته، واقترح عليها تحويل العمل لفيلم طويل، لتبدأ في اليوم التالي في كتابته، وخلال عامين كانت قد انتهت من التصوير.

تقول عجمية إن من الصعب إيجاد تمويل لفيلم يتناول الحداد بهذه الطريقة، مشيرة إلى أن هناك مشاهد تُظهر «إيا» وهي تصلي، وهو ما كان مصدر قلق لبعض الجهات الداعمة، لكنها كانت مصرّة على إبقاء هذه المشاهد، لأنها جزء لا يتجزأ من التجربة الروحية للشخصية، وكانت ضرورة درامية لا يمكن التخلي عنها.

أما عن اختيار الممثلين، فقد استغرقت عملية «الكاستنج» 10 أشهر، واعتمدت المخرجة على البحث في المدارس، وأندية الرياضة، ومنصات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أنها وجدت البطلة صفاء غرباوي، التي تلعب دور «إيا»، من خلال «تيك توك» بعدما نشرت إعلاناً تبحث فيه عن فتاة تشبه الشخصية، فأرسلت لها فيديو تقول فيه: «هذا أنا»، لافتة إلى أنها «بمجرد رؤيتها، عرفت أنها المرشحة المثالية للدور».

لم تعتمد عجمية على التدريبات التقليدية مع الممثلين، بل ركزت على خلق روابط حقيقية بينهم، مشيرة إلى أنه بدلاً من التدريبات على المشاهد، كانوا يلعبون كرة القدم، ويذهبون إلى المطاعم، لقضاء وقت معاً، لافتة إلى أنها كانت تريد أن يشعر الممثلون وكأنهم عائلة حقيقية؛ لأن هذا سينعكس على الشاشة.

 

الشرق الأوسط في

26.02.2025

 
 
 
 
 

مهرجان برلين يكرّم أفلام البحر الأحمر السينمائي بثلاث جوائز

فاصلة

حققت ثلاثة أفلام مدعومة من مؤسسة البحر الأحمر السينمائي – «رؤوس محترقة»، «القلب عضلة»، و«يلا باركور» – نجاحًا لافتًا في مهرجان برلين السينمائي الدولي بحصدها عدة جوائز.

حصد فيلم «القلب عضلة» جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم في قسم البانوراما، حيث يروي قصة ريان، الأب الذي يواجه أزمة وجودية بعد اختفاء ابنه الصغير لفترة وجيزة في إحدى المناسبات، مما يكشف عن أسرار خفية ويدفعه في رحلة استكشاف ذاتية.

أما الفيلم الوثائقي «يلا باركور»، فقد نال المركز الثاني في جائزة الجمهور لقسم البانوراما، حيث تسلط المخرجة عريب زعيتر الضوء على تجربة الشباب في غزة من خلال رياضة الباركور، في استعادة شخصية مؤثرة لذكريات ارتباطها بوطن والدتها الفلسطينية.

وفي قسم «جيل 14 بلس»، حصل فيلم «رؤوس محترقة» على تنويه خاص كأفضل فيلم، مستعرضًا قصة إيا، الفتاة التي تحاول التكيف مع فقدان شقيقها الأكبر، مستندة إلى قوتها الداخلية ودعم أصدقائه لتجاوز حزنها العميق.

إضافةً إلى هذه الإنجازات، فاز فيلم «الشمس ترى كل شيء» للمخرج وسام طانيوس بجائزة إستراتيجيات الجمهور من صندوق السينما العالمي ضمن سوق الإنتاج المشترك بالمهرجان.

وفي تعليقها على هذا النجاح، قالت شيفاني بانديا مالهوترا، المديرة العامة لمؤسسة البحر الأحمر السينمائي:
«
إن فوز هذه الأفلام هو شهادة على قوة السرد السينمائي وتأثير القصص التي تستحق أن تُروى. نفتخر بدعمنا لهذه المواهب الواعدة، ونتطلع إلى مواصلة تمكين صناع الأفلام من الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وإيصال أعمالهم إلى الجمهور العالمي

 

موقع "فاصلة" السعودي في

26.02.2025

 
 
 
 
 

يلا باركور: أحمد مطر يصعد كي يرى غزّة ويقفز

عمّان/ إسراء الردايدة

في قلب غزة، حيث يُحاصر الأفق بجدران الإسمنت، والسماء تزدحم بالطائرات، يأتي فيلم "يلا باركور" للمخرجة عريب زعيتر وثيقة بصرية تتجاوز الحصار، لتمسك بروح مدينة تبحث عن الحرية وسط الدمار. الفيلم شارك أخيراً في مهرجان برلين السينمائي، بعد عرضه في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وحصد الجائزة الكبرى في مهرجان DOC NYC، حيث عُرض لأول مرة عالمياً. لا يكتفي "يلا باركور" بسرد قصة شاب فلسطيني يمارس رياضة الباركور، بل يفتح نافذة واسعة على ثنائية المنفى والحصار، وعلى البحث عن الذات بين الوطن والشتات.

عريب زعيتر مخرجة فلسطينية أردنية، نشأت في الشتات بين عدة دول، لكنها حملت معها دوماً هاجس الانتماء والبحث عن الجذور. درست السينما في الولايات المتحدة، وحصلت على درجة الماجستير في الفيلم والفيديو من الجامعة الأميركية في واشنطن. عملت في مجال الإعلام وصناعة الأفلام الوثائقية لسنوات، واهتمت بتوثيق قضايا الهوية والمنفى واللجوء الفلسطيني من منظور شخصي وإنساني.

عُرفت زعيتر بأعمالها التي تتناول قضايا الفن والمقاومة والهوية، وحازت أفلامها على عدة جوائز دولية. من بين أعمالها الوثائقية البارزة، "ألوان المقاومة"، الذي نال جوائز عدة، وعملت في مؤسسات إعلامية بارزة، مثل وكالة أسوشييتد برس، وشغلت مناصب في مؤسسات فنية، مثل الهيئة الملكية للأفلام ومهرجان عمّان السينمائي: أول فيلم في الأردن. ولعلّ فيلم "يلا باركور" أكثر أعمالها خصوصية، إذ يعكس رحلتها الشخصية في محاولة فهم غزة من الداخل، من خلال قصة أحمد مطر.

في سعيها وراء ذكرى تعزز إحساسها بالانتماء، تلتقي عريب بأحمد، الرياضي المتخصص في الباركور في غزة، ما يشعل رحلة تتقاطع فيها الطموحات المتضاربة. يلتقي الحنين بالطموح، ويواجه ثقل الماضي المقيد مستقبلاً غير متوقع.

تنطلق عريب زعيتر في فيلمها من نقطة شخصية للغاية، من ذكرى طفولتها، حين كانت تقضي عطلاتها الصيفية في فلسطين. تظل صورة والدتها وهي تبتسم على شاطئ غزة راسخة في ذاكرتها، لكنها ليست مجرد صورة نوستالجية، بل هي إحساس عميق بالانتماء. في حديث زعيتر إلى "العربي الجديد" عن هذه اللحظة، تقول: "كانت تلك الابتسامة أقرب إلى إعلان حرية، إلى انتماء يتجاوز الحدود والجوازات. لم يكن الأمر مجرد تذكار طفولي، بل كان هوية تتشكّل في ملامح البحر وصوت الأمواج".

هذه الذكرى لم تكن مجرد مشهد من الطفولة، بل مثّلت جذوراً للهوية، وإحساساً صعباً بالفقد، يتجسد لاحقاً في حياة المنفى التي تعيشها زعيتر. لم يكن لقاؤها بأحمد مطر مجرّد مصادفة، بل كان امتداداً لرحلتها في البحث عن ذلك الوطن الذي أصبح بعيداً عنها، لكنه لا يزال محفوراً في ذاكرتها.

في البداية، كانت لدى زعيتر صورة رومانسية عن فلسطين، تلك التي تزورها في الصيف، وترى فيها بريق الوطن من دون أن تعيش تفاصيله اليومية القاسية. لكن، من خلال العمل على الفيلم، بدأت تدرك غزة الحقيقية، ليس فقط عبر الصور، بل عبر أصوات الحياة اليومية التي كانت تصلها من خلال الفيديوهات التي كان يرسلها أحمد مطر.

تقول زعيتر: "رأيت كيف أصبح الباركور طريقته للهروب من الحصار، وكيف تحولت يومياته إلى صراع مستمر بين الرغبة في الحياة والقيود المفروضة عليه. هذا الفيلم غيّر رؤيتي تماماً، إذ جعلني أرى غزة من منظور أهلها، وليس من الخارج". هذا التحول كان محور الفيلم؛ من فيلم عن رياضة، إلى فيلم عن الإنسان، عن الحصار الذي لا يقيده بالجدران وحسب، بل يقيده بالحدود غير المرئية التي تفصل الأحلام عن الواقع.

"إنتاج فيلم عن غزة وأنت بعيد عنها ليس أمراً سهلاً، خاصة في ظل القيود المفروضة على الوصول إلى القطاع"، تقول زعيتر، التي كانت تتابع المشروع من الخارج، وواجهت هذه العقبة بالاعتماد على المصور إبراهيم العطلة في غزة، فكان هناك تبادل مستمر للأفكار واللقطات بينهما.

توضح زعيتر: "كنت أرسل له مراجع فيديو وأطلب منه إعادة التصوير إن لزم الأمر. هذه العلاقة لم تكن فقط عملية إنتاج، بل أصبحت وسيلة لفهم غزة من الداخل من خلال عيون شخص يعيشها يومياً".

هذه الديناميكية بين الداخل والخارج لم تكن مجرد تحدٍّ إنتاجي، بل شكّلت بُعداً عاطفياً للفيلم. كانت زعيتر تحاول أن تعيش غزة من خلال أعين أحمد وإبراهيم، محاولة التقاط تفاصيل قد لا تراها لو كانت موجودة هناك.

في البداية، كان أحمد ينظر إلى الفيلم بوصفه فرصة لإظهار مهاراته في الباركور، لكن مع الوقت، تغيّرت العلاقة بينه وبين زعيتر، وتغيّر الفيلم معه. أمسى "يلا باركور" منصة لحكايته ورغباته وأحلامه، وللأسئلة التي كان يطرحها حول مكانه في هذا العالم.

تقول زعيتر: "بدأ أحمد يرى الفيلم ليس فقط وسيلة لإبراز موهبته، بل وسيلة لرواية قصته؛ قصة شخص يريد أن يكون أكثر من مجرد صورة نمطية لشاب فلسطيني تحت الحصار".

لطالما شعرت زعيتر بأنها "دخيلة" عندما كانت تعود إلى فلسطين، فلم تعش المعاناة اليومية كما يعيشها فلسطينيو غزة. لكن عبر الفيلم، وجدت أن الانتماء ليس مجرد مكان، بل هو تجربة، هو سردية نعيشها: "قال لي أحمد مرّة: أنتِ جزء منا، أنتِ فلسطينية مثلنا. هذه الجملة كان لها وقع كبير عليّ، لأنها جعلتني أدرك أن فلسطين ليست فقط المكان، بل هي أيضاً القصة التي نحملها معنا، مهما كنا بعيدين".

لطالما صُوِّرت غزة في الإعلام بوصفها رقماً في نشرات الأخبار، لكن زعيتر أرادت أن تُظهر الجانب الآخر، الجانب الذي لا يُرى عادة: "كثيرون يرون غزة مجرد مكان للمعاناة، لكن ما لا يدركونه هو أن فلسطينيي غزة ليسوا مجرد ضحايا، بل هم بشر لديهم أحلام وطموحات مثل أي شخص آخر. هناك مجتمع نابض بالحياة، وثقافة غنية، وشباب يبحث عن طرق للتعبير عن أنفسهم رغم كل الظروف".

بالنسبة إلى زعيتر، الوثائقي هو الوسيلة المثلى لسرد هذه القصة. لم يكن من الممكن اختلاق سيناريو لهذه الحكاية، لأنها قصة تتكشف أمام أعيننا كل يوم: "الفيلم الوثائقي يتيح لي التفاعل مع الواقع كما هو، من دون الحاجة إلى خلق سيناريو خيالي. وجدت في الوثائقي مساحة للإبداع والتجريب، إذ يمكنني الجمع بين الحقيقة والسرد الفني بأسلوب مؤثر".

بينما ينتهي الفيلم، يبقى هناك سؤال معلّق: ماذا سيحدث لاحقاً؟ هل سيجد أحمد مكاناً جديداً يحقق فيه أحلامه، أم أن المنفى، مثل الحصار، يحمل قيوده الخاصة؟

تقول زعيتر: "عندما رأيت أحمد يغادر غزة، شعرت بمزيج من الفرح والقلق. كنت أعرف أن المغادرة تعني الحرية، لكنها تعني أيضاً الوحدة. كنت أفكر: هل سيجد ما يبحث عنه؟ أم أنه سيحمل غزة معه أنّى ذهب؟". هذا هو جوهر "يلا باركور"، قصة عن الحدود غير المرئية، عن البحث عن الحرية، عن القفز فوق الحواجز، سواء كانت مادية أو نفسية، في سعي دائم إلى وطن مفقود لكنه دائم الحضور.

 

العربي الجديد اللندنية في

27.02.2025

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004