مكتبة سينماتك

 
 

               

 

 
 

جديد الكتاب

 
 
 

المتمرد

بقلم:

محمد سيد عبدالرحيم

إصدار مهرجان البحر الأحمر السينمائي

جدة 2021

 

 

المتمرد

محمد سيد عبدالرحيم

 
 
 
 
 

عن الكتاب

     
     
 

المتمرد، للناقد محمد سيد عبدالرحيم

بقلم: محمود عبدالشكور

 

يمثل خيري بشارة وأفلامه مرحلة هامة وأساسية ضمن جيل نجح في تفيير شكل ومضمون الفيلم المصري من قلب الصناعة نفسها.

وضع أبناء هذا الجيل بصمتهم بدأب وجهد، وبنظرة خاصة مدهشة، بل إن كبار نجوم السينما السائدة تحمسوا للتعاون معهم، فرأينا هؤلاء النجوم بصورة مغايرة، وفي أفلام لا تنسى.

ينطبق هذا الكلام تحديدا على خيري، مثلما ينطبق على عاطف الطيب ومحمد خان وداوود عبد السيد، وأهمية أعمالهم تتجاوز حتى قيمتها الفنية الى تأثير ملموس في أعمال أجيال تالية، لم يقصدوا ذلك بالتأكيد، ولكنها ثمرة الإخلاص للتجربة وللعالم الخاص، وثمرة الموهبة، والعمل عليها.

لكن خيري بشارة الذي ربما يكون الأكثر مغامرة وتجريبا بين زملاء جيله، قدم رؤيته بطرق وأساليب متنوعة، لم يقنع بأن يصنف كمخرج واقعي، رغم أن بعض أفلامه مثل "الطوق والأسورة" صارت من كلاسيكيات الواقعية، ولكنه قدم الواقعية بمذاق خاص وشاعري، ثم انطلق مع تجربة فيلم "كابوريا" الى آفاق أكثر رحابة في التعبير، واستخدم طرقا سردية أكثر بساطة وشعبية، كما صنع حالة خاصة من "الفرجة"، تستلهم الواقع، دون أن تنقله بخشونته الفجة، يتغير الأسلوب، دون أن تضيع البصمة الخاصة، وكأنه شارع آخر يقودنا الى نفس الميدان.

في مناسبة تكريم هذا المخرج المعتبر في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، صدر هذا الكتاب الهام بعنوان "المتمرد"، للناقد محمد سيد عبد الرحيم، الذي تتبع عالم خيري بشارة الثري، محاولا الإقتراب من عناصر أساسية في تكوينه الشخصي والثقافي، انعكست بالتالي على أعماله الفنية، وملتقطا بذكاء الملمح الأساسي، والمفتاح الذي يفسر تحولاته واختياراته، أعني بذلك فكرة التمرد، والرغبة في تقديم الجديد، وفي تطوير أفكاره ومعالجاته وأساليبه.

قاريء الكتاب سيصل إليه هذا المعنى بوضوح، ولكن سيصل إليه أمر أهم وأعمق، وهو أن خيري وجيله لم يتعاملا أبدا مع السينما بخفة، وليس صحيحا ما تنقله شخصية خيرى بشارة المرحة والظريفة من الإعتقاد بأنه يختار باستهانة أو بدون وعي، فالكتاب يضم حوارا طويلا ممتازا وممتعا بين مؤلفه وخيري بشارة، يكشف عن وعي كامل وعميق من خيري باختياراته، وبتأثرات قديمة يمكن تتبع آثارها في أفلامه بأعمال أدبية وسينمائية وغنائية، مصرية وعالمية، بل إنه تأثر بأعمال وكتابات الناقد علي الراعي الهامة في استلهام الأشكال الشعبية، وتطويعها لرؤية الفنان، وبالمناسبة، فإن هذه الكتابات بالتحديد كان لها أبلغ الأثر في تكويني المعرفي، وفي كتاباتي عموما، أي أن خيري بشارة، وجيله أيضا، لا يبدعون من فراغ، ولكنهم يقفون بثبات على قاعدة صلبة من الموهبة والدراسة، ومن ثقافة واسعة، كل ذلك هو الذي صنع الرؤية، وكما يؤكد خيري في حواره، فإن تعلم التكنيك يبدو أسهل بكثير من صنع الرؤية، والتي يمكن اعتبارها ثمرة جهد وتجربة شاقة وطويلة لا تنتهي.

ولد خيري في مدينة طنطا، لأسرة تقيم في قرية تتبع مركز سيدي سالم في كفر الشيخ، وارتبطت طفلوته بعالم القرية، الذي تبلور في أفلامه، وتأثره الأكبر كان بخاله المثقف والمترجم الكبير كامل يوسف ، الذي درس الدراما في لندن، وقد أهدي خيري فيلمه "آيس كريم في جليم" لخاله.

مثل كل طفل، افتن خيري الممثلين، وصنع مسرحيات صغيرة مثل فيها، إلا أن كتابا قرأه في السينما، جعله يكتنشف شخصية المخرج، فصار حلمه أن يكون مخرجا.

ولكنه خيري أيضا هو ابن شبرا التي عاشت فيها أسرته، وعنها صنع أحد أجمل أفلامه وهو "يوم مر .. ويوم حلو"، وهو كذلك ابن جيل شهد تحولات كبرى مصرية وعالمية، تخرج في معهد السينما عام 1967، وحصل على بعثة في بولندا، وعمل مساعدا للإخراج هناك، وتزوج سيدة بولندية، ولكن حادثا عنصريا ضده أعاده الى بلده، ليصبح من أبرز مخرجي السينما التسجيلية، بأفلام مثل "صائد الدبابات" و"يوميات طبيب في الأرياف" ، ثم ينتقل الى عالم الفيلم الروائي، كان فيلم "الأقدار الدامية" هو فيلمه الروائي الأول، أما أحدث أفلامه "مون دوج" عام 2012، فهو فيلم تجريبي صور بكاميرا ديجيتال، وهو لا يتوقف عن الكتابة والإخراج، لديه مشروعات سيناريوهات لم تنفذ، كما يقوم أيضا بالتمثيل في الأفلام، وببتقديم المسلسلات التليفزيونية.

يقسم محمد سيد عبد الرحيم مراحل أعمال خيري بشارة في السينما الى مرحلة "أفلام الواقعية الجديدة"، ومرحلة ثانية يسميها "مرحلة "الفانتازيا الشعبية"، ومرحلة ثالثة فانتازية أيضا باستخدام تقنية الديجيتال يمثلها فيلم "ليلة في القمر" و" مون دوج"، والحقيقية أن مصطلح "فانتازيا" واختياره لتوصيف أفلام مثل "كابوريا " و" آيس كريم في جليم"، يجب أن يؤخذ باحتراس شديد، فكسر الواقعية المباشرة في هذه الأفلام لا يعني بالضرورة أنها أفلام فانتازية، ولكن لنقل أنها أعمال أكثر تحررا في اكتشاف العالم الواقعي على مستوى السرد والشكل السينمائي، ولكن المدهش فعلا أن بشارة كان أصيلا في الحالتين: وهو ملتزم بالواقعية، أو وهو متحرر منها، وأعني بالأصالة بصمته الذاتية القوية، بل إنه كان مؤثرا على أجيال تالية في الحالتين، يمكنك مثلا أن ترصد تأثير "الطوق والإسورة" على فيلم عظيم مثل "عرق البلح"، ويمكن أن ترى أثر سينما خيري بشارة في أعمال الأجيال الجديدة من فناني السينما المستقلة، والحرية التي صنع بها الفيلم البديع "آيس كريم في جليم" انتقلت الى فيلم مثل "ميكروفون"، والفيلمان بالمناسبة عن جيل جديد يعبر بالموسيقى، ويكرس الحق في أن ينتزع هذا الجيل صوته و"ميكروفونه"، بشكل كامل ومستقل.

يمتليء الكتاب بالصور النادرة، ولكن نجاح محمد سيد عبد الرحيم الأهم في أنه نقل حيوية خيري بشارة الإنسان، وصاحب النظرة الخاصة، والتي تظهر بوضوح في أعماله، إنه يحكي بصراحة عما وراء الرؤية، فقد آمن دوما بأن السينما فن شعبي، كما يتحدث عن وقائع محددة جعلته يغير من طريقته في صنع الأفلام، وعن عناصر كامنة وجدت طريقها للخروج، يتحدث باستفاضة عن تأثير تشيكوف عليه، وعن أحمد زكي كممثل تمنى خيري أن يقوم ببطولة كل أفلامه، ولكن ذلك لم يتحقق.

يتحدث خيري عن كواليس تعاونه مع نجمات مثل فاتن حمامة ونادية الجندي، عن علاقته باالمونتيرين ومديري التصوير، عن مشروع فيلم يقول إنه من أفضل ما كتب بطله شخصية من الصين، عن طريقته في العمل حيث لا يقوم بعمل ديكوباج مكتوب، وإنما يستلهم تقطيع المشهد من مكان التصوير، ويتحدث عن قراره باعتزال صنع الأفلام بعد حملة بعض النقاد العنيفة ضد منح فيلمه" إشارة مرور" أي جائزة في مهرجان القاهرة السينمائي، ثم إنه عاشق طوال الوقت لعمله وللحياة وللطعام.

هذا جهد كبير في كتاب هام عن مخرج يستحق كل تقدير واحترام، لقد جعلنا خيري وجيله نحبهم ونفهمهم من أفلامهم، وقبل أن نعرفهم شخصيا، وهذا في رأيي أعظم ما يمكن أن يحققه أي فنان، أي أن تكون أعماله امتدادا له، وجزءا أصيلا من شخصيته ومزاجه.

أما المعنى الكامن في الحكاية كلها فهو أن حرية الفنان هي أثمن ما يمتلك، هو وحده من يحدد طريقة وأسلوب التعبير، وهو وحده من يمتلك مفاتيح تجربته، ومن حق الجمهور بالمقابل أن يقبلها أو يرفضها.

ولا شيء يشبه خيري بشارة مثل الطيور التي تحلق في أفلامه، ويتابعها من الأرض بالكاميرا، مثل طيور النهاية في فيلم "آيس كريم في جليم".

كأنه هي، وقد صارت حرة تمتلك سماء واسعة، زادها الخيال، وبيتها العالم، وشمسها تشق كل الغيوم.

 

 
     
  * نقلاً عن صفحة الناقد على الفيس بوك، بتاريخ 06.04.2021  
     
 

سينماتك في

06.04.2021

 
     
     
     
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004