مكتبة سينماتك

 
 

               

 

 
 

جديد الكتاب

 
 
 

صناعة الصخب

ستون عاماً من تاريخ السينما المصرية

الجزء الثاني
بقلم:

محمود الغيطاني

إصدار دار فضاءات للنشر والتوزيع

القاهرة 2021

 

 

صناعة الصخب في السينما المصرية (2)

محمود الغيطاني

 
 
 
 
 

عن الكتاب

     
     
 

الغيطاني يشرِّح "أفلام المقاولات" في الجزء الثاني من "صناعة الصخب"

أحمد صوان

 

في الجزء الثاني من كتابه "صناعة الصخب- ستون عامًا من تاريخ السينما المصرية" يتناول الناقد محمود الغيطاني الفترة من 1980 وحتى 1989 والتي اشتهرت باسم "سينما المقاولات"، رغم احتواؤها على مجموعة من التجارب السينمائية الشابة -في ذلك الوقت- والتي حملت العديد من الأحلام والرؤى السينمائية الجديدة والجادة والراغبة في التعبير عن المُجتمع المصري والحالة التي وصل إليها.

يلفت الغيطاني إلى أن بداية حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، حملت مشهدا مُؤسفا، وكابوسيا، بل و"كافكاويا" حسب تعبيره، وبدا للناظرين أنه لا يمكن للسينما المصرية النهوض من عثرتها التي علقت فيها بسبب سياسات الرئيس الراحل أنور السادات الانفتاحية ذات الطابع الاستهلاكي "وهي السياسات التي أدت إلى تدمير المُجتمع المصري بالكامل، وظهور طبقة جديدة من الطفيليين وأصحاب رؤوس الأموال الذين لا يعنيهم سوى تكديسه بأي وسيلة تمكنهم من ذلك" وأشار إلى أن هذا الأمر أدى إلى انقلاب الهرم الاجتماعي الطبقي المصري، وكادت الطبقة الوسطى فيه تختفي تماما بانسحاقها، وانقلبت المعايير والقيم "وبات الحرفيين، والعمال، والغوغاء، وأنصاف المُتعلمين، أو الجهلة لهم السطوة في هذا المُجتمع المُتداعي، بينما انزوى المثقفون، والمتعلمون، وأصحاب العقول والكفاءات؛ لعدم أهميتهم، أو عدم الحاجة إليهم، بل والسُخرية منهم في هذه الحقبة".

جاء المُخرجون الشباب إلى السينما المصرية يحملون العديد من الرؤى الجمالية لصناعة سينما جديدة وجادة تشتبك مع المُجتمع وقضاياه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، راغبين في التعبير عما يعاني منه هذا المُجتمع، أو محاولة تأمله وإلقاء الضوء عليه باعتبار أن مُجرد التأمل هو نصف الحل لما تناقشه أفلامهم. هكذا في عام 1980 جاء فيلم "َضربة شمس"، وهو أول أفلام المُخرج الراحل محمد خان، ليقدم سينما مُغايرة ومُلتزمة بقضايا المُجتمع من حوله من خلال أسلوبية جديدة على السينما المصرية تجعل المُشاهد المتأمل يتذكر أفلام الواقعية الإيطالية الجديدة "حيث حرص خان على التصوير والخروج إلى شوارع القاهرة بعيدا عن الاستوديوهات- كما رأينا في موجة الواقعية الإيطالية الجديدة التي ابتدعها روبرتو روسيليني Roberto Rossellini في مُنتصف أربعينيات القرن الماضي بفيلمه "روما مدينة مفتوحة" 1945م Citta Aperta بعد الحرب العالمية الثانية وعدم مقدرته على تكاليف التصوير داخل الاستوديو".

يوضح الناقد في كتابه أن ظهور خان في هذا التوقيت كان بمثابة الإنقاذ لصناعة السينما المصرية "التي سقطت طوال فترة السبعينيات في الضحالة والركاكة"، كما كان استمراره ودخول غيره من المُخرجين جعل النقاد يطلقون عليهم العديد من التوصيفات التي كان منها "الواقعية الجديدة"، أو "الموجة الجديد" في السينما المصرية ووصفوا أفلامهم بأنها بمثابة إعادة الإحياء للسينما المصرية مرة أخرى، حتى لا تتوقف تماما عن صناعة سينما حقيقية. حمل هذه الموجة مع خان كل من خيري بشارة، ورأفت الميهي، وعاطف الطيب، وداود عبد السيد الذين مثلوا تيارا مُهما ومُلهمًا فيما بعد في تاريخ الصناعة، وقدموا الكثير من الأفلام التي باتت رموزا في تاريخ السينما المصرية، ودليلا على اتجاه سينمائي جديد وجاد يلتزم بقضايا مُجتمعه، ويحاول مناقشتها بشكل جاد، بل والدفع بالسينما إلى الأمام من خلال رؤى سينمائية جمالية وأسلوبية، وفكرية تحمل في باطنها الكثير من الخصوصية.

هؤلاء المُخرجين سبق لهم العمل في السينما لفترة طويلة إما من خلال السينما التسجيلية، أو العمل كمُساعدي مُخرج مع العديدين من المُخرجين الآخرين؛ الأمر الذي أكسبهم الكثير من الخبرة في الصناعة، وبما أنهم كانوا من الجيل الذي عاصر نكسة 1967، فقد تركت في ضمائرهم الكثير من الألم والانكسار الذي كان لا بد لهم من التعبير عنه "فضلا عن تأملهم للتحولات والتصدعات والانكسارات والتشوهات التي أصابت المُجتمع المصري بالكامل مع بداية عهد السادات الذي مارس مجموعة من السياسات الانفتاحية التي أدت إلى انهيار هذا المجتمع، والعمل على إعادة تشكيل التركيب الهيكلي له على كافة الأصعدة، لا سيما الاجتماعية منها والاقتصادية؛ مما دفع بعدد ضخم من المصريين إلى الهجرة، سواء كانت هجرة مُؤقتة لدول الخليج لمحاولة الحصول على المال الذي بات شحيحا بعد الانهيار الاقتصادي الذي نتج عن سياسات السادات- ولقد اختص بهذه الهجرة للخليج أنصاف المُتعملين، والحرفيين- أو الهجرة الدائمة إلى أمريكا وكندا وغيرها من الدول، وهو ما فعله المُتعلمون، والمثقفون، وأصحاب الكفاءات- أي هجرة العقول للخارج بشكل دائم".

في الوقت نفسه يُشدد الغيطاني على أن نهوض السينما المصرية في هذه الحقبة لم يقتصر على هؤلاء المُخرجين الخمسة الذين كانوا روادا للاتجاه الجديد في السينما المصرية، بل كان هناك غيرهم من المُخرجين الذين كانوا إما امتدادا لهم، أو يحاولون تقديم السينما التي تخصهم بعيدا عنهم، وإن التزموا بالجدية أيضا فيما يقدمونه. في خضم هذه الأحداث، وما قدمه هؤلاء المُخرجون ظهر فجأة عام 1984 تيار جديد في رحم السينما المصرية، وهو التيار الذي اجتمع نقاد السينما على توصيفه باسم "سينما المقاولات"، ولقد كان من الشراسة والغزارة في صناعة الأفلام "الأمر الذي مثّل خطرا داهما على السينما الجديدة التي نشأت وأنقذت الصناعة من كبوتها"، وقد نشأ هذا التيار كنتاجٍ طبيعي للسياسات الاستهلاكية "ومن ثم بدأ في الظهور المُنتج والموزع الخليجي الذي عمل على السيطرة على مقدرات الصناعة بفرض شروطه من أجل تقديم رأس المال للإنتاج، والتوزيع في دول الخليج، لا سيما السعودية، فبدأ المُخرجون يصنعون أفلامهم في مُدة لا تتجاوز الأسبوع على أكثر تقدير، غير مُهتمين بمستوى الفيلم الفني ولا صناعته، وانصبت موضوعات أفلامهم على التهريج، والابتذال، والراقصات، والسرقات، والتجارة في المُخدرات، والعنف، والبلطجة، وغير ذلك من الموضوعات التي لا يعنيها المُجتمع وما يعاني منه، بل باتت هذه الأفلام تُقدم صورة فاسدة ومُزيفة، وشائهة عن المُجتمع المصري، والأفدح من ذلك أن هذا التيار الشرس في مُنافسته للسينما الجديدة لم يكن يهتم بعرض الأفلام في دور العرض السينمائي، بل كانت مُعظمها تتم صناعتها في عدد قليل من الأيام، وباستخدام ميزانية شديدة الانخفاض، وسُرعان ما يتم تعليبها في شرائط فيديو كاسيت من أجل تصديرها لدول الخليج".

يقول الغيطاني "هذه الموجة من أفلام المقاولات الشديدة الركاكة والابتذال، والابتعاد عن المفهوم الحقيقي لصناعة السينما كان لها مُخرجوها الذين يخصونها، وهم مجموعة من المُخرجين الذين تناساهم التاريخ السينمائي المصري؛ لأنهم لم يتركوا أي أثر يُذكر فيها، فضلا عن مُمثليها الذين كانوا إما مُمثلين مجهولين، أو غيرهم من المُمثلين أصحاب الجماهيرية الذين وافقوا على الاشتراك في صناعة هذه الأفلام مثل سعيد صالح، وسمير غانم، ويونس شلبي، وإسعاد يونس، وغيرهم ممن رأوا أنه لا غضاضة من الاشتراك في صناعة هذه الأفلام". موضحًا أن دخول المُنتج والموزع الخليجي لم يكن وحده السبب الرئيس في صناعة هذه السينما، بل كانت هناك العديد من العوامل الأخرى والمُؤثرات والأدوات التي اسهمت في ظهور هذا الاتجاه بمثل هذا الشكل الفوضوي والجارف؛ منها ظهور الفيديو كاسيت الذي كان الوسيط الأول، والأداة الرئيسية لانتشار هذه الأفلام ورواجها؛ حيث كانت دول الخليج تعاني من عدم وجود دور عرض سينمائي، أما السبب الثاني هو هجرة عدد كبير من المصريين إلى دول الخليج كهجرة مُؤقتة من أجل تكوين الثروة ثم العودة مرة أخرى، ومُعظم هؤلاء المُهاجرين كانوا من أصحاب الحرف اليدوية، وهؤلاء كان لهم ثقافتهم التي تخصهم، وهي الثقافة التي لعب عليها صُناع السينما الجُدد من أصحاب أفلام المقاولات، أي أنهم كانوا يصنعون لهم ما يتوافق مع ثقافتهم الخاصة "كي يستمتع العامل من هؤلاء في نهاية اليوم الشاق من العمل بفيلم مسلٍ فيه من المُطاردات والراقصات والمعارك والقتل ما يجعله يشاهده، ثم يذهب إلى النوم من دون الاهتمام بأي قضية قد تُشغل باله للتفكير فيها"، بينما المُثقفين والمُتعلمين وغيرهم من هذه الفئات فضّلوا الهجرة الدائمة إلى الولايات المتحدة وكندا.

أشار الغيطاني كذلك إلى أن سينما المقاولات لا يمكن إدراجها في إطار السينما التجارية بأي شكل من الأشكال "لأن السينما التجارية كانت تحاول الحفاظ- إلى حد ما- على قدر قليل من الفن في صناعتها، لكن ما عرفناه بسينما المقاولات لم يكن يعنيها أي شكل من أشكال الفن، بل لم يكن مُنتجوها يهتمون بعرضها في السينمات عروضا جماهيرية؛ فالفيلم ينتهي تصويره خلال أسبوع أو أسبوعين على الأكثر، وسُرعان ما يتم تصديره؛ ليبدأ مُنتجه في صناعة فيلم جديد غيره. أي رغم فداحة الأثر الذي تركته مثل هذه الأفلام على الصناعة ومسارها، ورغم مُنافستها الشرسة لتيار السينما الجادة والجمالية التي رأيناها في تجاه الواقعية الجديدة، لا يمكن إنكار أن فائدتها الوحيدة كانت في تشغيل الآلاف من الفنيين المُتعطلين من العاملين في مجال السينما كالمصورين، والمُونيرين، وغيرهم، أي أنها بقدر ما تركت بأثرها السلبي على الصناعة، إلا أنها أفادت العاملين فيها بتشغيلهم بدلا من تعطلهم وبطالتهم".

 
     
  * نقلاً عن بوابة الأهرام المصرية، بتاريخ 22.06.2021  
     
 

سينماتك في

26.06.2021

 
     
     
     
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004