فيلم "جمع مذكر تالف" لمخرحه ومؤلفه سيد ماجد السيهاتي
يحمل الكثير من النقاشات الجادة حول مسائل وقضايا
حيوية مجتمعية تمس مفاهيمنا وعاداتنا السلوكية
والمجتمعية. يضعها في قالب يمزج بين الديكودراما
(المصنوعة كحيلة سردية) وبين الكوميديا السوداء في(29
دقيقة) مشحونة بموضوعات وقصص جاذبة للمشاهدة الممتعة .
يتناول الفيلم سلوكياتنا ومفاهيمنا التي اصبحت جزءاً من هويتنا
الاجتماعية. وهذا في حد ذاته تناول واعي للمسكوت عنه، أو
المعتاد بحكم سرعة إيقاع الحياة، خصوصاً فيما يتعلق بالثقافة
الذكورية التي سادت مجتمعاتنا الشرقية بوجه عام في العالم
العربي والخليج العربي بوجه خاص.
ولا سيما أن تلك المفاهيم طغت وأصبحت تشكل جزءاً من مشكلات
الأسرة والتكوين العائلي، خصوصاً يعدما تفاعلت هذه القضايا بعد
عمل المرأة في القطاعات الخاصة والعامة، بعد التحول الثقافي
والتنموي الحادث في المملكة على نحو أكثر خصوصية، وهي المنطقة
الجغرافية التي يتوغل فيها الفيلم ويناقش محتواه.
مسالة التعدد ونظرة الرجل والمراة لها، مسألة إشكالية ناقشها
الفيلم في اطار جاد مغلف بسخرية محببة، جعلت للفيلم رونقاً
جاذباً يستمتع به المشاهد. وهناك الكثير من القضايا التي
ناقشها الفيلم، و طرحها بتناول سيسيوثقافي في قالب تعبير
سينمائي عصري. وفي كل جزئية تتعلق بمحور ما يعود بنا الفيلم
الى البطل الرئيس الذي قرر أن يبث شكواه ويوصل رسالته المحتدة
ضد الهجمة النسوية في مختلف المرافق والأعمال، بحسب وجهة نظره،
وما يعاني جراء ذلك.
في قالب آخر لجأ مخرج الفيلم الى أسلوب يوحي بأنه ديكو دراما،
من خلال مناقشة القضايا في توليف يشابه الأمثلة الحية من
الواقع، ما أضفى على سرد الفيلم كثيراً من الحيوية واللطافة
والجاذبية. فالمشاهد يندمج ما أزواج يتناقشون بشكل عفوي عن
حالات تمر بهم في حياتهم ويشاهدونها في الأقرباء والجيران.
فيظهر "خليل" أبو إبراهيم و زوجته "لطيفة" أم إبراهيم (الممثل
عبدالله الجفال والممثلة عواطف محمد) وهما يتجادلان مرة
بالتوافق ومرة بالاختلاف، ولكن يبدو أن الزوجة مسيطرة وتمارس
قمعها لرجلها.
في حين يظهر زوجان آخران وقد اعتدت عليه زوجته وألقت عليه
الزيت المغلي لأنه صرح برغبته في الزواج، أداه الممثل نايف
العباد بكثير من اللطافة والكوميديا.
لا شك بأن أداء جميع الممثلين جاء طبيعي ومنسجم مع الجو العالم
الذي أراده المخرج، ولا شك بان المخرج بذل الكثير حتى يصل
بالممثلين الى هذا التقمص بالكوميديا السوداء اللطيفة التي
ظهروا بها. ولا شك ان الممثل القدير عبدالله الجفال متمكن
كعادته وبليغ في أداءه.
اما الممثل الذي يروي قصته بحس فكاهي (كميل العلي) فقد كان
ذكيا وخفيف ظل، استأثر بالكاميرا في لطف وروعة، وبقدر ما كان
يدعو للضحك إلا ان قصته تحمل شيئا من الاسى والصراع الذي يشغل
حياته(منافسة المرأة) والنسوية وأزمته في مطلب تحقيق الانصاف،
إلى درجة اتهامه بالجنون.. دور جميل واداء متقن لا يخلو من
الكوميدية والجدية في آن واحد.
بالطبع لن يفوتني اداء الممثلات، الزوجات اللاتي ظهرن وادين
ادوارهن بتمكن وعفوية بالغة. الممثلة المتمكنة والطبيعية
"عواطف أم الزين"، والممثلة "مروة الشافعي".
الفيلم بشكل عام عميق وغير صارم. جاد وساخر. يثير التفكير
ويفجر الضحكات والاندهاش. يكثف حبكته الدرامية حول منافسة
المرأة في شغلها للوظائف، وبالتالي تكاتف قطاعات الأعمال في
تحيق نسب متزايدة من النساء الموظفات. ثم الرهاب الذي بدأ يشعر
به الشباب من منافسهم القوي.
هذه توازنات درامية قد تستعصي على مخرج مبتديء، لكنها تسهل على
المخرج الواعي صاحب الثقافة والحرفة السينمائية المجودة. وهو
بذلك يرصد مسألة في غاية الأهمية ينبغي مواجهتها بحيث يكون
هناك توازن في شغل الوظائف. ومن جانب آخر مسألة السيطرة في عش
الزوجية..هل هي حرب داخل كل بيت خلقتها الحالة التنموية التي
نمر بها؟ هذا محور تفكير ينبغي الالتفات إليه. ثم انعكاسات
انشغال المرأة عن القيام بمهام رعاية الزوج والأبناء. وبالتالي
احتياج الرجل ـ الزوج لمن ترعى بيته وتقيم على راحته الطبيعية
من مأكل ومشرب وتنظيم شؤون البيت والحياة الزوجية الحميمة.
كل تلك القضايا تمر بعقل المشاهد، ليجد أنها تفجر سؤالاً
كبيراً: لماذا يحدث كل هذا؟
بدا مونتاج الفيلم للمونتير "مرتضى الحمود" بتوليف متوازن ولا
يترك للمشاهد مساحة للملل او غياب الذهن اثناء المشاهدة.
فالتنقلات المكانية والمؤثرات الصوتية خلقت جواً متناغماً مع
موضوع الفيلم. حتى أن الاسماء تظهر في تتر الفيلم بطريقة لطيفة
ومثيرة للضحك والابتسام.
كما ان السيناريو لسيد ماجد السيهاتي جاء محبوكا ورائعا في
انتقالات مشاهده وحتى لقطاته السريعة الخفيفة، تدعمه مؤثرات
صوتية وموسيقية تكثف الحالات الدرامية التي نشاهدها.
الى حد ما تمنيت لو تكون هناك حركة للممثلين بعيدة عن الاطار
المسرحي، لان السينما تنقل ما يدور في البيوت بحيوية حركة
الحياة الطبيعية. لكن الحيلة الدرامية في سرد الفيلم تعفي الى
حد ما أهمية الحركة، حيث تنقالات الكاميرا أغنت عن ذلك.
ايضا كان للإضاءة (مهندس الاضاءة محمد الحكيم، محمد الصالح)
دور مهم في تصعيد مستقبلات المشاهد ونقل وادخال مخيلته الى عمق
المسائل المطروحة في الفيلم. ففي التصوير الداخلي (محمد
الحمود، ريان العلوي،مصطفى جمال) تنسجم الصورة من الاضاءة، مع
كل موقع عن الآخر. ولهذا كله أجزم بأننا أمام عمل جدير
بالمشاهدة المتأملة وبتناول ما جاء في ندوات وحلقات نقاش.