خاص بـ«سينماتك»

 

في ديناميات التطور النوعي للسينما المصرية بين 1952 و 1971

بقلم: د.مالك خوري/ خاص بـ«سينماتك»

 
 
 
 
 
 

شكلت السنوات ما بين 1952 و 1971 المرحلة السياسية الأولى لما بعد انتهاء الحكم الملكي في مصر، والفترة الأولى للحكم الجمهوري والتي انتهت بوفاة الرئيس جمال عبد الناصر، الرئيس الأول لهذه الجمهورية. وجسدت هذه المرحلة أيضا بزوغ نهضة مفصلية، كما ونوعا، في تاريخ السينما المصرية. فالمحصلة العامة لهذه السنوات تمخضت عن تغيرات جذرية طالت كل أوجه الثقافة السينمائية في مصر ككل، بما في ذلك انتاج مجموعة ضخمة من الافلام التي عبرت، ولو بنسب متفاوتة، عن مستوى متقدم من الابداع والتنوع في الأسلوب والثيم والتقنية، ونجاحات هامة في مجالات التوزيع المحلي والعربي.

قبل الاشارة الى بعض مظاهر التغيير الهامة التي حدثت خلال هذه الحقبة القصيرة نسبيا، من الضروري وضع بعض النقاط على الحروف (أو اعادة الاعتبار الى الحقيقة) فيما يتعلق بمرحلة ما قبل 1952، والتي يحلو للبعض تصويرها بأنها تمثل فترة "ذهبية" في تاريخ السينما المصرية. ففي حين لا يمكننا تجاهل أن تلك السينما شهدت بالفعل وضع الأركان التأسيسية للسينما المصرية وحققت نجاحات ضخمة في توسيع شعبية الفن السينمائي في مصر والعالم العربي ككل، يبقى من الخطأ تجاهل العوامل السلبية الهامة التي كانت تعاني منها السينما في هذه الفترة كصناعة وطنية ناشئة. من ناحية أخرى، فان الفهم العلمي للمتغيرات النوعية التي حدثت خلال فترة ما بعد 1952، يرتبط الى حد كبير بفهم أعمق لطبيعة الواقع النوعي لسينما ما قبل 1952.

 

السينما في أواخر العهد الملكي

في الفترة السابقة مباشرة للثورة، وبشكل خاص بين عامي 1945 و 1951، مرت السينما المصرية بمرحلة نمو هائلة كان من الصعب خلالها في أغلب الأحوال ايجاد عدد كاف من الممثلين والتقنيين لخدمة الانتاج الكبير في الأفلام. ووفق المخرج الراحل محمد خان (An Introduction to Egyptian Cinema, 1969, p.34)، أقام المخرجون صلات مع المغنيين والمغنيات والراقصات ولم ينزعجوا من تدريب أو اكتشاف مواهب شديدة. ويوفر خان سياقا تاريخيا أوسع لهذا النمو المذهل في صناعة السينما المصرية.

ويربط خان هذا النمو بشكل مباشر بوقوف مصر الى جانب الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وفقا للاتفاقيات الانجليزية-المصرية، والتي زودت بريطانيا ببعض القواعد الاستراتيجية. وأدى هذا الى ظهور شرائح اجتماعية جديدة ذات موارد مالية أكبر، وبدأ عدد كبير من الشركات التي لم يكن لها أي علاقة بصناعة السينما في انتاج الأفلام باعتباره عملا تجاريا. ويضيف خان، أنه بعيدا عن أن عدد كبير من الشركات السينمائية الجديدة بدأت في الانتاج كعمل تجاري لا علاقة له بالسينما، فان هذه الشركات (التي كان بعضها غير مرخص) كانت أيضا تتاجر بالسوق السوداء بأفلام لم تعرض بعد. فكانت هذه الشركات تحصل على دعم من وزارة الشؤون الاجتماعية التي كانت مسؤولة عن توزيع هذه الأفلام بالسعر العادي، بينما كانت الأفلام التي لم تعرض بعد يجري تحويلها واستيرادها من الخارج، ثم تعيد تلك الشركات بيعها الى شركات محلية مرخصة بأسعار باهظة.

وفي خضم "الازدهار" التجاري، أصبحت السينما المصرية راسخة شكلا في موازاة النموذج الهوليوودي، وأضحت تتميز بنظام نجومي ضخم خاص بها. وتشير بعض وثائق تلك الفترة الى أن أجور بعض الممثلين وصلت أحيانا الى نصف ميزانية الفيلم بكامله تقريبا. كما شهدت تلك الفترة أيضا قفزة في عدد دور العرض من مائة في منتصف ثلاثينات القرن الماضي الى 244 قاعة في عام 1949، في حين أنشئت أربعة استوديوهات سينمائية حديثة بالإضافة الى "استوديو مصر" ذي المكانة الفنية الرفيعة. كما ارتفع الانتاج السينمائي ذاته الى أكثر من خمسين فيلما في السنة بين عامي 1945 و1950، خالقا بذلك سوقا ضخمة للفيلم المصري في بلدان عربية أخرى، ومتيحا لصناعة السينما المصرية أن ترسخ بثبات التأثير العربي الشامل. علاوة على ذلك بدأ رأسماليون عرب يلاحظون الامكانيات الهائلة للاستفادة من الصناعة الناجحة.

بيد أن هذا المنطق الأحادي في التعامل مع السينما فقط كأداة لتحقيق الربح الاقتصادي، أدى من ناحية ثانية الى نشوء سينما غير واضحة المعالم، ومصممة لإرضاء كل الأذواق في نفس الوقت، الى درجة أنه أصبح من الصعب تصنيف الأفلام التي يجري انتاجها حتى بلغة "النوع" (Genre) المعروفة على نطاق واسع. ويقدم محمد خان (المرجع السابق) مثالا عن ملصق دعائي نموذجي لأحد الأفلام من تلك الفترة يعلن عن: "كوميديا درامية، قصة حب مصحوبة بالأغاني والرقصات". وبالنهاية، فان أفلام هذه الفترة أضحت تنقسم الى مجموعتين: الميلودراما، وأفلام الهزل والايفيهات الكوميدية التي كانت تتخللها الأغاني والرقصات.    

لكن في موازاة النجاح التجاري لسينما الثلاثينات والأربعينات، كان هناك أيضا تضييق صارم من قبل رقابة الحكم الملكي على محتوى ومواضيع وحتى أشكال تعبير الأفلام التي كان يسمح لها بأن ترى النور. وما ساهم برسم معالم هذا التضييق وترسيخه كان اصدار وزارة الشؤون الاجتماعية عام  1947 لقوانين جديدة ذهبت الى ما هو أبعد من الاشارات التقليدية عن الأخلاق العامة والحشمة. فقد منعت تلك القوانين صراحة تصوير أي مناظر قد "تؤذي المصريين" وأي موضوعات قد تدعم الميول الشيوعية أو تنتقد نظام الحكم الملكي. كما منعت تلك القوانين "عرض المناظر التي تشجع على تمزيق النظام الاجتماعي، مثل الثورات والتظاهرات والاضرابات"، كما جرى منع تصوير: الفقر، وحياة الفلاحين، ودعوات التمرد، والتشكيك في الأعراف الاجتماعية.

وكان واضحا أن هاجس الحكومة الملكية كان الخوف من التوترات السياسية المختمرة في البلاد. وقد ألهمت الشدائد التي عانتها طبقتي الفلاحين والعمال المصريين نمو معارضة أوسع انتشارا وأعمق تعبيرا عن القاعدة الشعبية. وتجسد ذلك في الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكومة في عام 1946، علاوة على الاضرابات الكبرى والتظاهرات التي قام بها العمال في المراكز الصناعية مثل شبرا الخيمة، وطنطا، وبور سعيد.

 

السينما المصرية والمتغيرات في قانون الرقابة

بالرغم من العديد من التحديات والعقبات والأخطاء التي جابهتها، فان السينما في فترة ما بعد سقوط النظام الملكي مباشرة شهدت ظهور توجهات وعناوين مختلفة ساهمت بتوسيع آفاق السينما المصرية، شكلا وموضوعا، الى حدود لم يسبق لها أن وصلت اليه منذ تأسيسها. كما أدت التغييرات في البنى التحتية لهذه السينما الى فرز أفلام أكثر محاكاة وتنوعا وعمقا في معالجتها للقضايا المركزية التي كانت تجابهها مصر والمنطقة العربية في تلك الفترة.

ففي عام 1955 ألغت وزارة الاعلام العام المعايير الرقابية التي فرضت في فبراير 1947، وشرعت قوانين جديدة. ووفقا للباحث السينمائي الراحل علي أبو شادي، فبالرغم من مما كان يحويه القانون الجديد من ثغرات كثيرة، واحتفاظه بعناصر مقيدة فقد مثل تقدما كبيرا بالمقارنة مع قوانين 1947 ("السينما والسياسة"، ص. 53). فبعكس القانون المصري الجديد لعام 1955، فقد كان القانون القديم يفصل بصراحة وبالتفصيل ما كان يتوجب منعه. 

في الواقع، فانه بعد ثورة يوليو 1952 أصبحت الرقابة مقصورة على الموضوعات المعنية "بتعكير الصفو العام" وبالإساءة الى "المعايير الاخلاقية"، لكن بشكل ترك تفسير هذين الدليلين لاجتهاد الرقيب، الذي (استنادا الى نظرة سريعة لحصيلة أفلام تلك المرحلة) لم يكن أشد، أو أقل تزمتا أو "ليبرالية" من أقرانه في دول العالم الأخرى. وهنا لا بد من التذكير بأن القانون الملكي كان من الوجهة العملية نسخة شبه حرفية من "قانون هيز" (Hays Code) في الولايات المتحدة والذي رسم حدودا ذاتية لما كان مسموحا للصناعة السينمائية الأميركية بتصويره أو التعاطي معه (هذا "القانون" بقي معمولا به من 1934 الى 1968).

 

التأميم ودور القطاع العام

من أهم القضايا التي ما زالت تثير نقاشات لدى تقييم تلك الحقبة هي الخطوة التي اتخذتها الحكومة المصرية بتأميم صناعة السينما عام 1960. ففي الستينيات، وفي إطار تأميم هذه الصناعة لصالح الحكومة، تم أيضا تأميم بنك مصر وشركاته، والتي كان من بينها شركة مصر للتمثيل والسينما، وكذلك بعض شركات التوزيع الكبيرة، مثل الشروق ودولار فيلم، وبعض الاستوديوهات الكبرى مثل مصر ونحاس والأهرام وجلال، لكن ظلت بعض شركات الإنتاج والتوزيع وبعض الاستوديوهات الصغيرة في مِـلكية خاصة. ومما لا شك فيه، أن التدخل الشامل للحكومة كان له سلبيات خصوصا لجهة التوسع والانتفاخ البيروقراطي للمؤسسة المصرية العامة للسينما لمجموعات كان يجري تعيينها من خارج المجتمع السينمائي. وأدى هذا بشكل مباشر الى خلق هوة ضخمة بين السينمائيين والبيروقراطية بشكل عام، والتي اتسمت ممارساتها بعدم القدرة على فهم القضايا المتشابكة في هذا المجال المعقد للنشاط الثقافي. وفي حين ساند معظم صناع الأفلام، من حيث المبدأ، ظهور القطاع العام واستخدامه في تشجيع تطوير سينما أكثر التزاما اجتماعيا وسياسيا، وحتى أكثر ابداعا في نواحي الأسلوب والتناول الفني (علاوة على مساهمته في تحسين جودة صنع الأفلام في البلاد)، فانهم بدئوا أيضا يعانون من السيطرة الخرقاء لبيروقراطية الحكومة وممارساتها. وأصبحت خلال تلك الفترة العلاقة بين الحكومة وبعض صناع الأفلام المرتبطين بالقطاع الخاص (والى درجة أقل في القطاع العام) أكثر توترا وتشنجا.

 

توسع ديموغرافية المخرجين الجدد

بيد أن سلبيات تلك المرحلة لا يمكن مقارنتها بالإيجابيات التي تمخضت عنها، خاصة لجهة مساهمة القطاع العام في التطوير الجذري للقدرات البشرية والفنية للثقافة السينمائية المصرية. فبالرغم من بالإيجابيات العوائق اللوجستية والبيروقراطية والمالية، فقد ساهم القطاع العام في المحافظة على السينما المصرية باعتبارها صناعة وتجارة وفن في الوقت نفسه. ويقترح الباحث والناقد علي أبو شادي على سبيل المثال أن القطاع العام ما بين عامي 1963 و 1972 في الواقع أتاح فرصة عمل لستين مخرجا من أصل خمسة وثمانون مخرجا أخرجوا جميعا 430 فيلما خلال الفترة ذاتها. هؤلاء المخرجون الستون قدموا 149 فيلما من القائمة التي ضمت 153 فيلما أنتجها القطاع العام، والأفلام الأربعة الأخرى كانت من الانتاج المشترك مع دول أخرى، وصنعها مخرجون غير مصريين (أبو شادي، "السينما والسياسة"، ص و1972. 55-56). ويضيف أبو شادي، أن القطاع العام في الواقع أتاح في المجال أمام ظهور مواهب سينمائية جديدة، على الرغم من أن نسبة انتاجه من مجموع انتاج الصناعة السينمائية المصرية خلال سنواته العشر لم تتجاوز ال 30 بالمئة. فقد استطاع هذا القطاع اعطاء فرصة الاخراج الأول لستة وعشرين مخرجا، في حين وفر القطاع الخاص الفرصة لسبعة عشر مخرجا فقط في الوقت الذي أنتج فيه سبعين بالمائة من اجمالي الفترة نفسها (المرجع السابق‘ ص. 56).

 

توسع مروحة المواضيع والمصادر السينمائية

يقول الناقد سامي السلاموني أنه من غير المقبول السماح في المحو التدريجي للذاكرة الجمعية لتلك الفترة الشديدة الأهمية للسينما المصرية، خصوصا من أجل الاستفادة من ايجابيات ما أنجزته:

"حين نذكر فيلم "الأرض" فلا يمكننا الا أن نتذكر أن القطاع العام هو الذي أنتجه، كما أنتج فيلم "المومياء "و"البوسطجي" و"الحرام" وعشرات الأفلام الأخرى، والأسماء الجديدة ظهرت نتيجة لدعم القطاع العام فيما يشار اليها أنها ’سينما الستينات‘ والتي ما كان لها أن توجد دون دعم هذا القطاع، والذي سنظل نتفجع على فقده، ونستطيع أن نتخيل شاهين وهو يطلب قرضا خارجيا من موزع لبناني لتوزيع فيلمه، ولكان فيلم "الأرض" هو ما كشف له أن أفلام الفلاحين وجلاليبهم لا سوق لها." ("الأرض.. ذكريات من الأيام الجميلة" في الأعمال الكاملة، تحرير يعقوب وهبي، المجلد الثالث، ص ً. 27-37).

ففي ظل الظروف السياسية الجديدة في مصر خلال تلك الفترة لم يصبح فقط من الممكن التعاطي سينمائيا مع قضايا العدل الاجتماعي والتحرر الوطني والنضال ضد الهيمنة الاستعمارية في المنطقة، بل شجعت هذا الاتجاه تحديدا، كما شجعت التعاطي معه عبر استلهام أشكال وأساليب سينمائية لم تكن معهودة من قبل في السينما المصرية. إذا بالمقارنة مع النجاحات الاقتصادية التي تميزت بها السينما المصرية في فترة ما قبل أوائل الخمسينات، أدى صعود الاهتمام بقضايا اجتماعية وسياسية مفصلية وتغير الجو العام للثقافة السينمائية المصرية الى تحول كمي ونوعي في مستواها العام وذلك على عدة صعد. ومن سمات هذه الفترة التغير الواضح في اهتمامات المنتجين المصريين، سواء في القطاع العام أو الخاص. من ضمن التغيرات الهامة في تلك الفترة كانت محاولة الاستفادة السينمائية مما كانت تقدمه الثقافة المصرية الحداثية من ادب القصة، وكتابات لأمثال توفيق الحكيم، وطه حسين، ويحي حقي، ونجيب محفوظ، وصلاح جاهين، واحسان عبد القدوس، ويوسف السباعي، وعبد الرحمن الشرقاوي، وثروت أباظة، ولطفي الخولي وغيرهم.

 
 
 
 
 
 

متغيرات في البنى التحتية البشرية والثقافية لصناعة السينما

في عام 1959 تم انشاء المعهد العالي للسينما الذي أصبح من أوائل الكليات السينمائية على المستوى الجامعي في دول افريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. ولعب المعهد دورا حاسما في تدريب أعداد ضخمة من صناع الأفلام الشباب المحترفين، وأفاد صناعة السينما المصرية والعربية بتدفق هائل للمواهب الفنية والتقنية. وبهذا استطاعت السينما المصرية أن تستفيد الكثير من المواهب المخضرمة، وأضافت، بشكل خاص منذ بدايات الستينات، طاقات ومواهب وقدرات جديدة جاءت في معظمها من المعهد العالي للسينما ومعاهد الفنون الأخرى والتي كانت تقوم بتخريج دفعاتها الأولى. وبهذا، استوعبت هذه السينما طاقات قديمة وجديدة في الاخراج، كما في مجالات الكتابة المحكمة للسيناريو، والتصوير السينماتوغرافي التعبيري والاستخدام الدينامي لحركة الكاميرا، والاستعمال المتطور للتوليف بشكليه الكلاسيكي و"المونتاجي"، وتصميمات البلاتوه الواقعية الاجتماعية، والحرفية في استخدام "الميزانسان" كأساس تعبيري وثيمي في بناء الإطار البصري للقطة و"الجملة" السينمائية، والموسيقى التصويرية الجامعة ما بين التراثية والتجديد.

كل هذا رافقه تطور واضح وغير مسبوق بعمقه وجرأته في طرح مواضيع مركزية خطيرة وأساسية في ابعادها وملامحها الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية، وما رافق هذا من ازدياد الاهتمام بتطوير الأسس النظرية للأسلوب السينمائي، والانفتاح على ما يجري عالميا لجهة نشوء مدارس وتوجهات سينمائية جديدة خارجة عن السياق التقليدي المهيمن للسينما الأميركية. وخاصة في ايطاليا وفرنسا. كما ساهم بشكل محوري في هذا التطور في الثقافة النظرية، الانفتاح الواضح الذي ظهرت ملامحه في خضم توجه الكثيرين من الطلاب المصريين المهتمين بالسينما بمنح للدراسة بمعاهد السينما والفنون في الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الأخرى في حينه في أوروبا الشرقية مثل بولندا وهنغاريا وألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا.

رافق هذه التطورات انفتاح واضح ودعم ممنهج من قبل الدولة على المشاركة في مهرجانات وندوات ونشاطات سينمائية عالية المستوى في كان وفينيسيا وبرلين وموسكو وغيرها. كما تطور حجم التبادل الثقافي، بما فيه السينمائي، مع دول مثل الجزائر والهند والصين وكوبا. وساهم الدور الطليعي الذي كانت تلعبه مصر في تلك الفترة في دعم حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار في انفتاح سينمائييها ونقادها على السينما في هذه الدول، كما ساهم بتوسيع اهتمامهم باتجاهات سينمائية تجريبية ومستقلة وثورية جديدة أخرى كانت قد بدأت تظهر في الولايات المتحدة وفي دول اميركا اللاتينية. كل هذا لعب دورا هاما في اغناء وتوسيع الأفق الفني والفكري والسياسي للسينما المصرية والعربية بشكل عام خلال تلك الفترة وما بعدها. وشهدت الستينات من القرن الماضي بشكل خاص ظهور عدد كبير من نقاد السينما، الذين جاؤوا اليها من الأدب والمسرح والفلسفة. وبعد مظاهرات 1968 أسست مجموعة من المخرجين والنقاد الشباب "جماعة السينما الجديدة" التي ساعدت في خلق أجواء جديدة أكثر جذرية في اختلافها أسلوبا وفكرا مع السينما السائدة محليا وعربيا.

كما استطاعت معظم الأفلام التي تم انتاجها في فترة الخمسينات والستينات أن تصل الى مروحة واسعة من المشاهدين سواء على الصعيد الديموغرافي الاجتماعي والطبقي والجغرافي، أو على مستوى الثقافة والتعليم. وانطبق هذا أيضا في توسع القدرة على تصدير الفيلم المصري الى الخارج، وذلك من خلال التطوير الممنهج والبناء على النجاحات السابقة تاريخيا في توزيع الفيلم المصري في أسواق السينما في العالم العربي، وحتى، وان بدرجة أقل، في الأسواق الافريقية والهندية.

 

أفول المرحلة

هذه الفترة الهامة في تاريخ السينما المصرية بدأت بالأفول بسرعة وبثبات بعد التغييرات السياسية والاقتصادية والثقافية في مصر والتي بدأت معالمها بالتبلور بعد أقل من سنة من موت الرئيس جمال عبد الناصر عام 1970.  وجدير بالذكر هنا، أنه بعد التغيرات السياسية التي طرأت بعد وفاة الرئيس عبد الناصر كان أهمها على صعيد السينما، تصفية المؤسسة المصرية العامة للسينما وإنشاء هيئة عامة تضم مع السينما المسرح والموسيقى في منتصف عام 1971. وتوقفت الهيئة عن الإنتاج السينمائي واقتصر نشاطها على بعض التمويل للقطاع الخاص. وبدأ انحسار دور الدولة في السينما حتى انتهى تماماً من الإنتاج الروائي، وبقيت لدى الدولة شركتان فقط إحداهما للأستوديوهات والأخرى للتوزيع ودور العرض. وسرعان ما أضيفت تعديلات هامة من قبل وزارة الثقافة عام 1976 شملت بشكل أساسي تفسيرات رقابية جديدة أكثر صرامة وتفصيلا من تلك التي تم ادراجها في قانون 1956.

 

نحو المستقبل

كل ما نوهت اليه في هذا العرض المقتضب يصب في خانة التشديد على أهمية اعادة النظر في التشويهات النمطية والمغلوطة علميا وتاريخيا في قراءة هذه اللحظة المفصلية في تاريخ السينما المصرية. حيث أن هناك تعمد واضح ترجع جذوره الى فترة بدايات السبعينات من القرن الماضي لصبغ تلك الفترة من تاريخ السينما المصرية بتعميمات سلبية مغلوطة لا علاقة لها سوى بقشور من واقع تلك المرحلة المفصلية في تاريخ تلك السينما. وفي الوقت الذي كان بالإمكان تمحيص وتطوير امكانيات الاستفادة من الكثير من تجارب تلك المرحلة، فان بعض التعميمات التي هيمنت على الفكر الجمعي لكثير من العاملين في حقول السينما فيما بعد أدت عمليا الى اختزال تجربة سينما فترة الخمسينات والستينات في توصيفات سطحية تقرنها بالمعاناة، والقمع، وانعدام الحرية، والرقابة، و"طغيان" القطاع العام، وما الى ذلك.

ان النظر الى المستقبل اليوم وفي هذه الفترة الصعبة التي تمر بها السينما في مصر والعالم العربي تستدعي استحضارا جديا ورصينا لتاريخنا الثقافي. وهذه الدعوة ليست بهدف البكاء على الأطلال ولا النوستالجيا، بل تدخل في إطار محاولة الاستفادة من تجارب الماضي، بسلبياته وايجابياته، من اجل استلهام أسس اقوى لاستنهاض جديد نأمله لهذه السينما العريقة والرائدة.

 

ملحق:

"لائحة من 84 نموذج من نتاج الأفلام المصرية بين 1952 و1971"

 

1952

رَيَّا و سكينة، صلاح أبو سيف

 

1953

"في شرع مين"، حسن الامام

"بائعة الخبز"، حسن الامام

"صراع في الوادي"، يوسف شاهين

"دايما معاك"، هنري بركات

"ارحم دموعي"، هنري بركات

"حب في الظلام"، حسن الامام

"نساء بلا رجال"، يوسف شاهين

"بلال مؤذن الرسول"، أحمد الطوخي

"عبيد المال"، فطين عبد الوهاب

"دهب"، انور وجدي

 

1954

"الوحش"، صلاح أبو سيف

"جعلوني مجرما"، عاطف سالم

"درب المهابيل"، توفيق صالح

"حياة او موت"، كمال الشيخ

 

1955

"أيامنا الحلوة"، حلمي حليم

"شاطئ الذكريات"، عز الدين ذو الفقار

 

1956

"أين عمري"، أحمد ضياء الدين

"صراع في الميناء"، يوسف شاهين

"شباب امرأة"، صلاح ابو سيف (وأمين يوسف غراب بحسب IMBD)

 

1957

"الفتوة"، صلاح أبو سيف

"رد قلبي"، عز الدين ذو الفقار

"لا انام"، صلاح ابو سيف

"الوسادة الخالية"، صلاح ابو سيف

"لن ابكي ابدا"، حسن الامام

"الجريمة والعقاب"، ابراهيم عمارة

 

1958

"باب الحديد"، يوسف شاهين

"جميلة بوحريد"، يوسف شاهين

"امرأة في الطريق"، عز الدين ذو الفقار

"سيدة القصر"، كمال الشيخ

 

1959

"أنا حرة"، صلاح ابو سيف

"دعاء الكروان"، هنري بركات""

"احنا التلامذة"، عاطف سالم"

"صراع في النيل"، عاطف سالم

"بين الاطلال"، عز الدين ذو الفقار"

"حسن ونعيمة"، هنري بركات"

 

1960

"بداية و نهاية"، صلاح ابو سيف

"نهر الحب"، عز الدين ذو الفقار

"المراهقات"، احمد ضياء الدين

"بين السماء والأرض"، صلاح ابو سيف

 

1961

"في بيتنا رجل"، هنري بركات

"وا اسلاماه"، انريكو بومبا و أندرو مارتن

 

1962

"اللص والكلاب"، كمال الشيخ

"الخطايا"، حسن الامام

"الزوجة 13"، فطين عبد الوهاب

"الشموع السوداء"، عز الدين ذو الفقار

"صراع الأبطال"، توفيق صالح

 

1963

"الناصر صلاح الدين"، يوسف شاهين

"الايدي الناعمة"، محمود ذو الفقار

"أم العروسة"، عاطف سالم

"الباب المفتوح"، هنري بركات

"الساحرة الصغيرة"، نيازي مصطفى

"زقاق المدق"، حسن الامام

"شفيقة القبطية"، حسن الامام

 

1964

"بين القصرين"، حسن الامام

 

1965

"الجبل" خليل شوقي

"الحرام"، هنري بركات

"الراهبة"، حسن الامام

"فجر يوم جديد"، يوسف شاهين

 

1966

"القاهرة ٣٠"، صلاح ابو سيف

"جناب السفير"، نيازي مصطفى

"سيد درويش"، احمد بدرخان

"مراتي مدير عام"، فطين عبد الوهاب

 

1967

"السمان و الخريف"، حسام الدين مصطفى

"الزوجة الثانية"، صلاح ابو سيف

"اضراب الشحاتين"، حسن الامام

"معبودة الجماهير"، حلمي رفلة

 

1968

"الرجل الذي فقد ظله"، كمال الشيخ

"المومياء"، شادي عبد السلام

"البوسطجي"، حسين كمال

"الناس و النيل"، يوسف شاهين

"قنديل أم هاشم"، كمال عطية

"المتمردون"، توفيق صالح

"القضية 68"، صلاح أبو سيف

 

1969

"الارض"، يوسف شاهين

"شيء من الخوف"، حسين كمال

"ميرامار" كمال الشيخ

"ابي فوق الشجرة"، حسين كمال

"يوميات نائب في الارياف"، توفيق صالح

 

1970

"الاختيار"، يوسف شاهين

"غروب و شروق"، كمال الشيخ

"نحن لا نزرع الشوك"، حسين كمال

 

1971

"زوجتي والكلب"، سعيد مرزوق

"ثرثرة فوق النيل"، حسين كمال

 

سينماتك في ـ  08 مايو 2022

 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004