أعرف أنني
لم أكن منصفاً في كلامي عن فيلم الكمان الأحمر فيما مضى، لكن هذا ما استطيع
البوح به، أما الباقي فيظل دائما في القلب (بجوارها). لكنني سأسرد لكم
قليلا عن رحلة المؤلف الموسيقي الذي برع في خياطة كل هذه المشاهد بموسيقاه
المؤثرة وقدرته على تقمص المكان والزمان بنغماته التي تضاهي أي سيناريو
ممكن أن يكتب لفيلم ما.. في عام 1990 و 1991 جذب المؤلف الموسيقي الأمريكي
(جون كوريجليانو) الانتباه العالمي له متفردا بتقديمه في أمسياته الموسيقية
الخاصة سيمفونيته الأولى التي كانت ردا حماسيا ومؤثراً لأزمة تفشي مرض
الايدز، وقد دعمت مشروعه وجدولته بعض الشركات والمؤسسات المتخصصة في
المساعدات الإنسانية عن طريق الاتصال ببعض المجموعات الأوركسترالية البارزة
في الولايات المتحدة الأمريكية. وبعد ذلك انتزع جائزة جراويميير في 23
ابريل عام 1991 لأفضل مؤلفة أوركسترالية جديدة عن سيمفونيته الأولى. أيضاً
في عام 1991 بلغت أوبرا ميتروبوليتان مئويتها حيث قدم كوريجليانو أوبراه
الجديدة الأولى منذ 25 سنة "أشباح فيرسيليس" التي استلهمها من ثلاثية
(بيومارتشيس) "فيجارو"، وعلى نص الأوبرا (أو ما يسمى ليبريتو) ل (وليام م.
هوفمان). وقد قوبل بالإطراء العالمي .. قدمت "أشباح فيرسيليس" في أمسية
موسيقية عام 1995 في دار أوبرا شيكاغو الغنائية، فهذا الإنتاج الجديد الذي
أخرجه (جيروم سيرلن) وقام بقيادة الأوركسترا (أندرياس ديلفس) فتح أيضاً دار
الأوبرا الجديدة في هانوفر بألمانيا في ابريل عام 1999.
وقد قامت
شركة جرامافون الألمانية بإصدار التسجيل التليفزيوني الأصلي لهذه الحفلة
على شريط فيديو وقرص ليزر. ويزداد الاعتزاز بكوريجليانو الذي يزداد شرفا
بانتخابه وضمه في عام 1991 إلى الأكاديمية والمعهد الأمريكي للفنون. وهي
منظمة تحوي 250 من فناني أمريكا الأكثر تألقا من نحاتين، مصممين، كتاب
ومؤلفين موسيقيين. حصلت "أشباح فيرسيليس" على جائزة السنة وهي أولى الجوائز
الدولية للموسيقى الكلاسيكية، وموسيقيو أمريكا ألبسوا كوريجليانو أيضا وسام
الرئيس في جامعة جورج واشنطون، وهو الشرف الأعلى الذي يمكن أن يمنحه رئيس
الجامعة، فمن الذين سبق لهم أن حازوا على هذا الشرف هما (كوالتر كرونكيت)
و (ميخائيل جورباتشوف).
كتالوج
جون كوريجليانو قبل 1990 كان يتضمن تجارب مثيرة في كل الأشكال الموسيقية
الرئيسية تقريبا. فكثير من فناني العالم الموسيقي قدموا حفلات وقاموا
بتسجيل أعمال كوريجليانو مثل:
(فنتازيا
الفلوت): الذي كلف به جيمس جالواي عازف الفلوت المتألق، وهو عبارة عن
كونشيرتو للفلوت والاوركسترا، وقد تم تقديمه وتسجيله عام 1981.
(التروبادور) أو (الشعراء المتجولون): وهو تنويعات للجيتار والاوركسترا،
حيث قام بالعزف (شارون ايزبن) عام 1994.
(كونشرتو
الكلارنيت) عام 1977 وقام بالعزف (ستانلي دروكير).
وقام بعزف
(كونشرتو الأوبوا) العازف (ريتشارد ستولزمان).
بالإضافة
إلى كتابته (كونشيرتو للبيانو) عام 1967 وسجل عام 1994 على يد العازف (باري
دوغلاس) وتحت قيادة (ليونارد سلاتكين)
وله أيضاً
(ثلاثي لآلات النفخ الخشبي).
وتتأرجح
محفظته الأوركسترالية بين الأعمال القصيرة مثل: (إلى الموسيقى) الذي كتبه
عام 1985 وقام بتسجيله عام 1994، ثم (تبويق دي سي) عام 1997.
وبين
الأعمال الممتدة والأكثر عمقا مثل (ثلاث هلوسات) عام 1981 وهو عمل مبني على
ثيمة لحنية من موسيقاه للفيلم (الدول المعدلة).
إلى العمل
الأكثر حداثة (فنتازيا على أوستيناتو) الذي كتب عام 1981 وسجل عام 1994
الذي يحدد ويطور الأسلوب (الأدوني) الضمني في السيمفونية السابعة لبيتهوفن.
أسلوبه
محنك، ويجيد أسلوب التأليف (الأدوني) الذي عرف به فيليب غلاس أيضاً، هذا
المؤلف الذي اعتكف على تأليف ثيماته الموسيقية والعمل على تطويرها بطريقة
قد تبدو للبعض أنها رتيبة ومملة (لكنها مدرسة موسيقية تستحق البحث فيها
بشكل أكبر).
(آمين) هو
عمل للكورال آكابيلا (أي بدون مصاحبة موسيقية)، وهو ينتمي إلى كانتاتا
(أنشودة) الايدز شديدة التهيج والتذكر عام 1994.
و(الأوراتوريو) أو اللحن الديني المسائي التام.
و(ثلاثية
ديلان توماس).
كل ذلك
كان في كتالوجه الكورالي.
أول
مؤلفاته الناضجة كان عملاً لموسيقى الحجرة: سوناتا الكمان والبيانو و التي
تعتبر الأكثر أداء وتسجيلا، وقد قدمها في ليلة فوزه بجائزة مهرجان سبوليتو
لموسيقى الحجرة عام 1964 حيث لم يتجاوز عمره السادسة والعشرين.
أوركسترا
الراديو الفلمنكية قامت بجولة بلجيكية في إحدى فصول الخريف في التسعينيات
بسيمفونية المؤلف الأمريكي جون كوريجليانو الأولى التي تعتبر من آخر مائة
أوركسترا عالمية التي استمرت في رسم رد فعل كوريجليانو الحماسي لأزمة تفشي
مرض الايدز في العالم. أما موسم 1999- 2000 فقد رأى في السيد كوريجليانو
الصغير ( وسمي بالصغير نسبة لأبيه جون كوريجليانو الكبير) انه مستمر في
تحديه بمؤلفاته الجديدة. فلأول مرة في مجسم أعماله المتنوع بشكل رائع،
استخدم علم الالكترونيات الحية مع الصوتيات وقدم هذا المشروع في نوفمبر مع
صاحبة الصوت المتألقة، السوبرانو (سيلفيا ماك نير) بمصاحبة أوركسترا
نيويورك الفلهارموني. الصوتيات التي استخدمها كوريجليانو تمثل مساهمة
الولايات المتحدة في الرسائل التي تنتهجها أوركسترا نيويورك الفلهارموني
للجان الذكرى الألفية، وهي سلسلة من الأوركسترات تختار مؤلفا بارزا من كل
الأمم كي يسرد رؤاه بالتفصيل لذكرى الألفية الثانية التي مر بها العالم.
الآنسة ماك نير والسيد كوريجليانو ينطلقان بهذا العمل من خلال قصائد بوب
ديلان وبتقديم مارتن كاز عازفا على آلة البيانو. وقد جدول هذا العمل للقيام
بجولة دولية لاحقة مع الآنسة ماك نير. وفي مارس 2000 أيضا قدمت أوركسترا
مينيسوتا متتالية من (شبح فيرسيليس)، مرسومة على ثيمات (مواضيع لحنية) من
أوبراه التي تحمل نفس الاسم. ويعكف السيد كوريجليانو أيضا للموسم التالي
على تأليف سيمفونيته الثانية. وللأوركسترا الوتري تبني لجنة أوركسترا بوسطن
السيمفوني عمله (رباعية وترية).
في موسم
1998- 1999 قدم الفنان كوريجليانو تكملة حديثة لثلاثية ديلان توماس التي
يكمل بها أعماله الثلاثة السابقة لتوماس (تل السرخس، قصيدة في أكتوبر،
وقصيدة في يوم ميلاده) لكن في وضع جديد لصوت الباريتون والأوركسترا وعمل
توماس هو "برولوجو" وهي قصيدة طويلة كتبها قبل وفاته بسنة واحدة. والناتج
هو (عمق المساء) : " وهو عبارة عن مسرحية للذكرى في شكل لحن ديني
(أوراتوريو)" كما وصفه المؤلف الموسيقي، فهو لصوت التينور ولصبي في صوت
السوبرانو، صوت باريتون، ومجموعتي كورس وفرقتي أوركسترا. وقام المايسترو
"ليونارد سلاتكين" بقيادة الأوركسترا السيمفوني الوطني في الأمسية التي
عقدت في شهر مارس بمركز كيندي وفي قاعة كارنيجي، وانتقل العمل إلى قاعة
لندن للمهرجان الملكي في خريف 1999 حيث كانت هذه هي ليلة افتتاح جولتها
الأوروبية، و بهذا يستمر التعاون الطويل والمثمر الذي جعل الأوركسترا
السيمفوني الوطني يحصل على جائزة الجرامي الوطنية الأولى والوحيدة في 1996
لأفضل اسطوانة كلاسيكية في هذه السنة.
أكد عام
1998 أيضا عودة كوريجليانو المنتصرة إلى موسيقى الأفلام بموسيقى فيلم
(الكمان الأحمر). على درب موسيقى فيلمه الأول (الدول المعدلة)، الذي رشح
لجائزة أكاديمية عام 1981 والثاني أيضا (الثورة البريطانية) الذي تسلم عنه
جائزة أنتوني أسكويث عام 1985، فموسيقى كوريجليانو للكمان الأحمر وجدت
نجاحا عند لجان الجوائز في لجان كندا للأفلام المحلية. فاستولى كوريجليانو
بموسيقى هذا الفيلم على أفضل موسيقى فيلم في مسابقة جوائز جني (التي تعادل
جائزة الأوسكار في كندا)، بينما حصل الفيلم على جائزة أفضل فيلم، أفضل
إخراج وبعض الجوائز الأخرى، كما قامت جمعية موسيقى الحجرة بمركز لينكولن
بتسجيل عمل (مناجاة روح) للكلارنيت والرباعي الوتري كجزء من إصدار عام 1998
خمسة أعمال خماسية أمريكية للكلارنيت، بينما تعزف أوركسترا نيويورك
الفلهارموني لكوريجليانو كونشيرتو الكلارنيت الكامل (بقيادة ليونارد
بيرنشتاين وعزف ستانلي دروكير). ومؤخرا عكف العازف المبدع صاحب التشيللو
المتنوع والذي اخترق أكثر التجارب الموسيقية تنوعاً وجرأة يويوما، مع
إيمانويل أكس، وجيمس توكو على إكمال تسجيل أعمال جديدة لكوريجليانو مثل: حب
على عمل (اير) للمؤلف باخ، أوهام، دراسة فانتازية، و فنتازيا على أوستيناتو
وكانت هذه آخر إصدارات سوني كلاسيكال لهذا العام.
تتراوح
موسيقى الحجرة الأكثر تأخراً عند المؤلف جون كوريجليانو من أعمال البيانو
المنفرد الواسعة النطاق كعمل (دراسة فانتازية) عام 1976 ماراً بعمل أطلق
عليه (أوهام) عام 1993 ثم إعادة إلى (أشباح فيرسيليس) للتشيلو والبيانو.
وعمل (تشياوزكيورو)
عام 1997، و (طبيعة حية) لآلتي البيانو "أحدهما يضبط أو يدوزن بشكل غير
عادي ربع نغمة لأسفل".
ثم ينتقل
إلى (القصيدة في أكتوبر) للتينور، أما أكبر أعماله هو (مجموعة الحجرة)،
أربعين دقيقة ممتدة لرباعيته الوترية، والتي قامت بعزفها رباعية كليفيلاند.
وفي عام
1996 فازت الرباعية (مثل السيمفونية التي سبقتها) بجائزة جرامي مضاعفة
لأفضل أداء وأيضا لأفضل مؤلفة كلاسيكية معاصرة لهذا العام، وهذا يجعل
كوريجليانو هو المؤلف الأول في تاريخ تلك الجائزة الذي يفوز بها مرتين.
الوطن البحرينية في 8
يوليو 2006
|