مادز ميكلسن مرشح لـ"سيزار" افضل ممثل عن دوره في "ميشاييل كولهاس"
لأرنو ديه باليير. اذا ضاعت منه الجائزة التي توزع على فائزيها
مساء غد في باريس، فهناك فرصة اخرى له، من خلف المحيط: جائزة
الأوسكار لفيلم "الاقتناص" لتوماس فينتربرغ الذي يتسابق في خانة
افضل فيلم أجنبي. وهو الشريط البديع الذي جعله ينال جائزة التمثيل
في كانّ عام 2012. الحديث عن ميكلسن لم ينته بعد اذاً. فهذا
الرياضي السابق الذي حملته الظروف الى التمثيل في منتصف التسعينات
تحت ادارة رفيق الشباب والمجون نيكولاس فيندينغ رفن، من الذين
يزودون الشخصية التي يضطلعون بها، جسداً وصوتاً ووجهاً وروحاً
وماضياً، فيصير من الصعب في ما بعد اعادة النظر في الشخصية. منذ
دوره في "بوشر" الى تقمصه إيغور سترافينسكي ففيزيائي البلاط في
دانمارك القرن السابع عشر والشرير في احد افلام جيمس بوند، تمكن
ميكلسن من الايقاع بنا في سحر شمولي، مستعملاً لغة جسدية وطاقة
كهربائية وعينين مفخختين. هذا كله ساهم في جعله ليس فقط "اكثر
الرجال اثارة في الدانمارك" انما موهبة غير قابلة للتصنيف.
براغماتي، متحفظ، سريع الحركة، واضح الخطاب، حيواني، بشوش الوجه،
بهذه الأوصاف اكتشفتُ الممثل الذي بات على عتبة الخمسين، في لقاءين
متتالين جمعاني به، مرة في كانّ ومرة في مراكش. يتحدث ميكلسن عن كل
شيء الا عن طفولته في حيّ شعبي في كوبنهاغن. "كلما نقصت معلومات
الناس عني، ازدادت فرصتي في اقناعهم بأدواري"، يردف هذا الفايكينغ
ذو القلب الكبير.
·
بعدما مثلت بلغتك الأمّ وبالانكليزية، رأيناك اخيراً تمثل
بالفرنسية في اقتباس لرواية ألمانية هي "ميشاييل كولهاس"...
-
نعم، انها رواية فلسفية ودرامية كتبها هنريش فون كلايست. هذا
الفيلم كان تجربة مختلفة، إذ كان عليّ ان امثل بالفرنسية، وهي ليست
لغتي الأمّ. استطيع أن انطق بها، ولكن ليس كالألمانية او
الدانماركية او الإنكليزية. كنت أمتطي حصاناً طوال الوقت، وأتكلم
الفرنسية طوال الوقت. كان تحدياً كبيراً أن أشارك في هذا الفيلم.
بدأتُ التمارين قبل شهرين من حلول موعد التصوير، وأصبحنا، نحن فريق
العمل، ما يشبه العائلة الكبيرة المتماسكة، حدّ اننا عندما سمعنا
المخرج ارنو ديه باليير يقول كلمة "اكشن" في أول يوم لالتقاط
المشاهد، قفزنا من التمارين الى التصوير الفعلي بسلاسة لا توصف.
·
هل تشعر بالغربة عندما تمثل في أفلام تاريخية، أو "أفلام حقبة" كما
يسمّونها في الغرب؟
-
حسناً، لم أشارك في الكثير من الأفلام التاريخية. مثلتُ في "علاقة
ملكية" الذي استند الى قصة حقيقية من القرن السابع عشر، واتذكر
أيضاً "كوكو شانيل وايغور سترافينسكي" الذي حملني الى بداية القرن
الماضي. كان هناك أيضا "الفرسان الثلاثة"، لكن الحقبة التي تجري
فيها الأحداث لم تشغلني كثيراً كونه فيلم مغامرات. طبعاً، هناك شيء
مختلف في ان تسافر عبر الزمن، ليس على الصعيد التمثيلي، فالتمثيل
يبقى على حاله. فليس قليلاً ان تضع قدميك في مرحلة أخرى من التاريخ
البشري حيث لا شيء مما نراه حولنا يشبه ما نحن فيه الآن.
·
هل انت راضٍ عما تقدمه حالياً من أدوار وهل تشعر بالإكتفاء
بالمرحلة التي وصلت اليها في مسارك؟
-
نعم. انا راضٍ تماماً. لم أتوقع يوماً انني سأصل الى حيث وصلت. لم
أفكر يوماً انني سأنجز هذا كله. كان حرصي دائماً على ان أقوم بما
اراه يتماشى مع رؤيتي للفنّ والحياة، وما اراه مثيراً ومحفزاً
ومستجداً. بصراحة أقول لك، لم أفكر يوماً كم سأجني من مشاركتي في
هذا الفيلم او ذاك، لذا تراني راضياً عن عملي منذ اليوم الأول
لانطلاقي في مهنة التمثيل. أنا سعيد، نعم. طبعاً، لا مانع عندي ان
اقبض الأجر مقابل ما اقدمه، ولكن ليس المال محفزي الأول، ويجب ان
اشعر دائماً أنني ساهمتُ في ولادة عمل ما، والا صعب عليّ اعتبار
نفسي نافعاً.
·
السينما الدانماركية الحالية تشهد طفرة إنتاجية مهمة وتجذب
الانتباه، وبعض مخرجيها ذائعو الصيت حتى خارج الدانمارك. ما رأيك
بهذا؟
-
السينما الدانماركية على هذه الخطى منذ منتصف التسعينات، تاريخ
انطلاق موجة "الدوغما". طبعاً، يعود تاريخها الى قبل هذا بكثير.
لكن "الدوغما" كانت المنعطف. في ما يتعلق بجيلي، هناك الكثير من
السينمائيين وكتّاب السيناريو والممثلين الذين تخرجوا وبدأوا
بالتكاتف والعمل معاً بطريقة قوية جداً. السينما الدانماركية
الحديثة نتيجة هذا. وجدنا ان هناك لغة مشتركة بيننا؛ كنا نتشارك
الأفكار عينها، وكانت لنا المطالب نفسها. لهذا السبب، تجد انها
أفلام قوية تحمل في داخلها الطموح والحبّ. من هنا يأتي سر نجاحها
الحالي على ما اعتقد. في كل حال، من الخارج تبدو الدانمارك دولة
مثالية. لكن الحقيقة مختلفة.
·
هل لا يزال مهماً لك ان تنال الجوائز، بعد جائزة التمثيل التي
نلتها في الدورة ما قبل الأخيرة من مهرجان كانّ؟
-
نعم، لا تزال الجائزة تعني لي الكثير. آمل أن يصلني المزيد منها
(ضحك). لا امثل كي انال جائزة، ولكن يسعدني أن انال بعضاً منها.
هذا ضروري لإيغو الممثل ولتزويده بعض الوقود لإكمال العمل الذي
باشره. يسعدني ان اسمع احدهم يهنئني على دور أديته، ويرد اليّ
الاعتبار، ويسعدني ان اسمعه يقول انه استمتع وهو يشاهدني على
الشاشة. ليلة حصولي على جائزة كانّ كانت ليلة اسطورية. لسوء الحظّ
كان عليّ المغادرة فقط بعد نصف ساعة على نيلي الجائزة. واستطيع ان
أقول انها افادت الجانب "الوقودي" الذي فيّ، بمعنى انها اعطتني
دفعاً الى الأمام. لكن لا استطيع ان أجيب الآن عن سؤال ما اذا كانت
حاسمة بالنسبة للتطور الذي شهدته مسيرتي بعد ذلك. عموماً، الأفلام
التي شاركتُ فيها هي التي عرّفتني الى الناس. ولكن لا اخفي ان
صعودي على خشبة المسرح في كانّ كان تجربة انفعالية مذهلة. شعرتُ
بإحساس غريب، مع انني عادة اكون انساناً بارداً ومتحفظاً. بقيتُ في
كانّ، فيما كان توماس فينتربرغ رحل لأنه كان ينتظر مولوداً. تذكرتُ
المرة الاولى رحتُ فيها الى كانّ مع نيكولاس فيندينغ رفن. كان انجز
فيلمه الثاني ويريد العثور على موزع له. ثم، بعد 15 سنة، ها نحن في
المسابقة الرسمية. هو مع "وحده الله يغفر" وانا مع "ميشاييل
كولهاس". مهرجان كانّ شيء لا يقلَّد.
·
ماذا عن الاخراج؟ الا يغويك الانتقال الى خلف الكاميرا؟
-
أفكر في الأمر أحياناً عندما أكون واقفاً في موقع التصوير منتظراً
مجيء دوري. لطالما انخرطتُ في صناعة الأفلام الدانماركية، وهذه حال
معظم الممثلين الدانماركيين. لكن عمل المخرج لا يقتصر فقط على
اخراج الفيلم، مهمته أبعد من ذلك بكثير. فالمخرج محاط بسيرك كامل
وعليه أن يكون جزءاً منه. شخصياً، لا يهمني هذا في هذه المرحلة من
حياتي. لربما انتقل الى الاخراج، عندما يمل الناس فعلاً من مشاهدتي
على الشاشة.
·
يقال عن الانتظار في موقع التصوير انه من الأمور المملة والمضنية.
الممثل يمضي الكثير من الوقت منتظراً...
-
نعم، ولكن هذا عملي. يشبه أن تكون جالساً في مكتبك في الصحيفة التي
تعمل فيها في انتظار خبر ما. احبّ المهنة التي أزاولها. لا اعشق
بالضرورة ان أكون على البلاتو، ولكن هذا يخدم العمل ولا بدّ منه.
هناك الكثير من الناس الذين تريد اللقاء بهم في مهنتنا، والبلاتو
يوفر هذا اللقاء. على البلاتو، كلّ يوم هو يوم جديد، وموقف جديد
واشخاص جدد. النهار نفسه لن يتكرر. وهذا ما يجعل الممثل يتعلق بهذه
المهنة لأنها لا تبعث على الملل والروتين. طبعاً، التجديد متعب في
المقابل، لأنه لا يسمح لك بأن تمد رجليك وتعتمد على ما فعلته أمس.
فكل يوم يحمل معه قدراً من التحديات...
·
هل تراقب التمثيل مثلاً عندما تشاهد فيلماً؟
-
للأسف، نعم، هذا ما يلفتني في المقام الأول. عندما أتأخر عند اداء
احد الممثلين، هذا يعني ان هناك شيئا ما ليس على ما يرام. وعندما
انسى نفسي وانجرّ خلف الفيلم، هذا يعني ان الأمر إيجابي. ولكن، لا
استوحي تقنياتي التمثيلية من التمثيل نفسه، اعني من الممثلين الذين
اراهم على الشاشة. في معظم الأحيان، عندما تراقب ممثلاً كبيراً
يؤدي دوره، تصفق له بإعجاب كبير، ولكن هذا لا يكفي لمعرفة آلية
عمله. هذا لا يكفي لتتعلم كيف تمثل وكيف تصل الى النتيجة التي وصل
اليها مَن جاء قبلك. من الصعب معرفة كيف يفعل. كلنا نبلور بعض
التقنيات على مر السنين، ولكن لا يمكنك التعويل عليها، لأنها تخذلك
أحياناً. على الممثل ان يكون منفتحاً على مدارس تمثيلية عدة. في
النهاية، الحياة التي أمامنا والمواقف التي تحشرنا فيها هذه الحياة
هما الينبوع الأفضل. هذه أشياء تتغير كل يوم. وربما، عندما أبلغ
التسعين من العمر، آتيك بجواب افضل واكثر دقة. أداة الممثل منه
وفيه. مهما يكن حجم المشاعر التي في داخلنا، يجب ان تكون لنا
القدرة على توظيفها جسدياً وفكرياً. أؤمن أيضا ان مهنة التمثيل
جسمانية. في التمثيل، لا تهم اي تقنية تستخدم. ليس هناك اي شيء
مجرد في التمثيل. اؤمن فقط بالتحضير: ان تمتطي حصاناً، ان تتخلص من
وزن زائد، الخ.
·
ايهما تفضل: ان يمنحك المخرج الكثير من التعلم ام القليل منها؟
-
القليل. دائماً القليل. الأمر أشبه بأن تقول للولد ماذا يصح فعله.
اذا تكلمت كثيراً، فسيتيه ولن يعرف ماذا يفعل. اذا كنت على الموجة
نفسها مع المخرج، فلن تحتاج بينكما الى الكثير من الكلام.
التوجيهات مهمة اذا بدأت أذهب مثلاً في الاتجاه الذي لا يريد
المخرج أن يأخذ الفيلم اليه. ولكن ان يقول لي متى اجلس ومتى انهض
ومتى انظر في ذلك الاتجاه، فهنا أقول "لا". هذا مرفوض عندي. عندما
اتحضر لدور ما، احب ان اكون محامي الشيطان. اضع نفسي في مكان
المتفرج، واطرح كل الأسئلة التي قد تخطر على باله. ولكن عندما يبدأ
التصوير اتعامل مع الدور بغريزية واحاول الا اقول اي شيء.
·
إذاً، انت لا تستطيع أن تعمل مع سينمائيين طغاة، يعانون من هوس
السيطرة على كل شيء والتحكم بكل مفاصل العمل...
-
اطلاقاً. لا مصلحة لي في ذلك. لا اعتقد انه يمكن العثور على مخرج
كبير يكون ديكتاتورياً. لا أعتقد ان سكورسيزي متسلط مثلاً؟ هل هو
كذلك؟ لا اعرف. على كل حال، سأعطيه فرصة اذا اتصل بي. اعتقد ان
تجربة مختلفة ستخرج من التعاون مع شخص مثله. لستُ متشبثاً برأيي
اثناء العمل، ولكن أحب أن أكون طرفاً فاعلاً في صناعة الفيلم.
·
ماذا عن التمثيل في ادارة مواطنك الأشهر لارس فون ترير؟
-
عندي شروط اذا اراد العمل معي. علينا التعاون والنقاش والانصات
أحدنا إلى الآخر. لا اقبل ان اكون مجرد لون في عالمه. ولا اقبل ان
اكون دمية في يد اي مخرج. طلبني مرة، لكن كان لديّ ارتباط. ربما في
المرة اللاحقة.
·
نراك تتنقل بإنسجام كبير من فيلم مؤلف الى بلوكباستر هوليوودي...
-
نعم، أحب التنوع. وهكذا سأبقى. ولكن، لا تعتقد ان القرار في يد
الممثل. نحن لا نملك الا خيار القبول او الرفض...
·
مَن هي مرجعيتك الكبرى في التمثيل؟
-
هناك ممثلون كثر، من الصعب الاكتفاء بواحد فقط. بعضهم يبرع في مجال
معين وبعضهم الآخر تراه يتفوق في مجالات عدة. افضّل الا اذكر
أسماء. افضل ان اتكلم عن افلام. "سائق التاكسي" لسكورسيزي شكّل
صدمة كبيرة لي عندما شاهدته. في هذا الفيلم، ادركتُ كم الشخصية
يمكن ان تكون شريرة وطيبة في الوقت نفسه. ادركتُ كم الالتباس مهم.
·
لستَ من الممثلين الذين ينحازون الى السياسة ويغرقون في وحولها،
أليس كذلك؟
-
لا ارى ان هذا واجبي. لكني لستُ ضد. اذا أراد ممثل فعل ذلك، فهذا
خياره وهو حرّ. لا اعتقد أيضا ان على الممثل ان يكون صاحب سلوكيات
أفضل من سلوكيات أغلب البشر. لسنا تماثيل من برونز. حتى لاعب
الكرة، من غير المفروض أن يتصرف كما يريد الآخرون ان يتصرف. نحن
بشر عاديون، نخطئ كالجميع. اجد ان من الظلم ان يكون كلامنا مسموعاً
أكثر من كلام غيرنا، لمجرد ان هناك كاميرا مصوّبة في اتجاهنا، في
حين هناك ربما ناس آخرون لديهم اقتراحات افضل ولكن ليس أمامهم
كاميرا. الحكايات الإنسانية التي تراها في الأفلام شيء والسياسة
شيء آخر. الأدوار التي اجسدها ليست بالضرورة تعبيراً عن وجهة نظري.
عندي رأيي السياسي الخاص، انا شخص مسيس جداً. ولكن احتفظ به لنفسي.
كنت دائماً أسأل نفسي: لماذا على الشعب الاستماع الى شخص لمجرد انه
معروف؟ ماذا لو تفوّه بحماقة؟
·
ما الذي يثير امتعاضك في العالم الذي نعيش فيه الآن؟
-
كل شيء. نعم، كل شيء. ولكن علينا الاستمرار. على الحياة أن تسير
الى الأمام...
hauvick.habechian@annahar.com.lb
النهار اللبنانية في
|