تجربة المخرج تود فيلد الروائية من خلال فيلمين
إسراء إمام
لم يُقدم المخرج تود فيلد الكثير من التجارب الروائية الطويلة،
ورصيده الأكبر على مستوى الكم ينتمى إلى تجاربه التمثيلية فى أفلام
مثل eyes
wide shut
"عيون محدقة على اتساعها" 1999، twister "إعصار"
1996 وغيرها من الأفلام التى ساهم فيها بأدوار بسيطة، والتى لن
يعوّل عليها كثيرا على الرغم من كونها تُشغل المساحة الأكبر من
مسيرته المهنية، وأما كمخرج فقد قدم عددا من الأفلام القصيرة ثم
فيلمين من الأفلام الروائية الطويلة كانت الأبرز والأقوى فى لفت
النظر إلى موهبة لها بصمتها وهويتها الخاصة.
فى 2001، قدم فيلد فيلمه in
the bedroom) فى
غرفة النوم( الذى
رشح لخمس جوائز أوسكار، فى الوقت كما رشح الفيلم لجوائز ال جولدن
جلوب والبافتا ونال البعض منها، أما فى 2006 فعاد فيلد ليقدم فيلمه
الثانى little
children)أطفال
صغار(الذى
رشح لثلاث جوائز أوسكار، ولحق أيضا بترشيحات الجولدن جلوب والبافتا.
فيلما فيلد، يتميزان بإطلالة دسمة، تتفاوت نسبيا فى الكثير، ولكنها
تبدأ فى طرحها من مستوى مثير للجدل يتطلب نظرة ثاقبة، نفاذة، قادرة
على فض خصوصية العمق الكامن فيما وراء الحدوتة، حتى وإن إختلفت
طريقة تقديمها، فإنها تظل حاملة لنفس الثراء الذى يصبغ الشخصيات
والتفاصيل والمعالجة بأكملها.
في غرفة النوم
يتناول فيلد هنا، حكاية شديدة التعقيد، عن قصة قصيرة لأندرىه
دوبوس، جسد فيها معاناة زوجين فى خريف العمر إثر فقدهما إبنهما
الصغير، فى حادثة قتلعمد، قام بها زوج الفتاة التى تورط
المراهقمعها فى علاقة عاطفية بالرغم من كونها تكبره سنا.
الحكاية تبدو بسيطة، ولكن الطريقة التى بنى بها فيلد فيلمه، ساهمت
فى أن تعبر فى تكثيف ورصانة، عن مغزى قصة أندريه الحقيقى، فموت
الإبن لم يكن إلا بداية لإنكشاف الأزمة الحقيقية فى علاقة الزوجين،
والتى ترتب عليها فيما سبق هروب المراهق إلى هذه العلاقة الغريبة
نوعا ما مع سيدة متزوجة وأم لطفيلن، لم تسّوى مشاكلها بعد مع زوجها
الذى يطمح فى العودة إلى منزله وأبناءه من جديد.
العقدة التى تبدو واضحة فى البداية، والتى وضعها فيلد فى المستوى
الأول من المعالجة، هى الخوف على مصير الإبن من هذه العلاقة والتى
على ما يبدو تثير المشاكل من كل الجهات، سواء من ناحية والدته التى
لا ترضى له الإستمرار فيها، ومن ناحية أخرى اضطرار الصغير لأن يخوض
معارك لا تنبأ بالخير مع زوج حبيبته، بإعتباره الرجل المسئول عن
حمايتها الآن. وبين هذه الطاقة من الشد والجذب، يبدأ الفيلم واضعا
المُتفرج فى حالة التوتر والقلق التى تقع على كتف الصبى والتى لم
تفلح لأن تحول بينه وبين المرأة التى يحبها.
ولكن فيلد، لا يلبث أن يُمرر فى هذا الجزء على الرغم من صخبه، عددا
من الدلالات التى تدعو المُشاهد لأن يلتفت لشكل علاقة الولد بأمه،
وكذلك علاقة الزوج بزوجته، وعدد من المشاهد التى يتواجد فيها الأب
مع ناتالى، حبيبة ابنته، والتى تسودها أجواء غير مريحة، على الرغم
من أنها تبدو عادية فى سياق السرد، ولكنها فى الحقيقة تحمل وجهين
أهمها الوجه القابع على مبعدة.
وبعد موت الصبى، يبدأ فيلد على مهل، فى فضح حكايته الرئيسية،
والتماهى معها استنادا لما قد ضمنه فى خبث خلال النصف الأول من
الفيلم، فعلاقة الزوجين هى محور كل شىء، فشحنة النزاع الخفية والتى
تربط وجودهما، هى ما أودت بالصبى إلى حضن هذه السيدة، التى وجد
لديها تساهلا ليس موجودا فى والدته، التى تميل دوما للإنتقاد،
وتجنح إلى السيطرة، وترغب فى أن تُسيّر الأمور وفقا لمفهومها
الخاص. وعلى الرغم من هذه اللذعة الحريفة التى تملكها، فهى تنجح فى
ممارسة كل ذلك بهدوء، وفى روّية من يتمكن من إتمام أفعاله أكثر من
الجهر بنيته فى الإقدام عليها. سبق وأن تشّرب زوجها من طباعها،
وخلق بينه وبينها حاجزا شفافا يكاد لا يرى، احتمى فيه منها، متعكزا
على ولده، مطلقا له العنان والحرية فى اختيار ما يريده، شاعرا
برغبته فى التحرر من نطاق والدته الضيق، وأفقها الخانق، لذا لم
يتخذ موقفا حماسيا ضد علاقة ابنه بناتالى، وكأنها كانت متنفسا لهما
معا، للأب وإبنه لكى يشعر كل منهما بقدرته على الإختيار.
ففى مشهد ما، اتهمت الزوجة زوجها بأنه يرغب فى ناتالى، ولهذا ساعد
ابنه فى الإستمرار بعلاقته معها، إنه ليس التوصيف الدقيق، ولكنه
اجتهاد لا بأس به من الزوجة، التى كانت تلمس التأثير غير المقصود
لهذه المرأة على زوجها وابنها، فحتما الأب هو الآخر تورط بشكل ما
مع وجود ناتالى، إحساس غامض يصعب فهمه، تماما كذلك الشعور الذى
يواتى المتفرج حينما يقحم الرجل نفسه بينها وبين ابنه، بحجة
المصادفة حينما يذهب إلى المنزل لتناول وجبة الغذاء بعيدا عن
العمل، فيقابلهما وقد انتهزا فرصة خلو المنزل لممارسة الجنس، فنراه
على الرغم من استيعابه الأمر، يبقى متواجدا، داعيا إياهما لتناول
السلطة، وكأنه يلهث وراء فرصة تجمعه بالمرأة. ومن بعدها يأتى
المشهد الذى يزور فيه الأب ناتالى فى مكان عملها عقب موت ابنه، بلا
أى سبب مفهوم، ومن ثم تأتى كلمات الأم وهى تتوجس خيفة من رغبة الأب
فى هذه الصبية، فيتجاهل بكل بساطة كلماتها، ويضع للمتفرج مساحة
واسعة للتفكر بصدد هذا الشأن كما يريد.
وجود المراهق الصغير، كان قوة العزل الوحيدة، التى حالت بين عودة
اصطدام الزوجين بمنحى أكثر شراسة، محدثا عقبات وخيمة هذه المرة،
فمحاولة الزوج استكمال العيش بحيادية لم تفلح، وإذا به يتورط فى
التعويض عن سلبية السنوات الماضية، بإيجابية مختلة نقيضة، فيقدم فى
نهاية الفيلم على قتل زوج ناتالى، بعدما منحه القانون تصريحا
مشروطا، بإعتباره الأب الجريح الذى يبحث عن حق ابنه، ولكنه فى
حقيقة الأمر، يركض خلف حقه هو فى أن يكون مصدر الفعل، وهكذا يعبر
فيلد، عن إحساس الرجل الذى تغير فى عودته للمنزل بعدما قتل الشاب
بدم بارد.
"في غرفة النوم" حالة ناضجة جدا، كانت تنبيء عن ميلاد مخرج ناضج،
نجح فى كل وعى أن يقدم حالة متشابكة، بطريقة سرد حاذقة، على وعى
تام بترتيب الحقائق والتفاصيل والدلالات، وعلى الرغم من أن الفيلم
كان بحاجة إلى ايقاع أكثر رشاقة إلا أن ذلك لم يؤثر كثيرا على
حضوره المتميز.
أطفال صغار
فيلم فيلد الثانى، يحمل عددا متشابكا من العلاقات والشخصيات
والمواقف التى تدعو لمزيد من التأمل، وتحرض على بذل طاقة هائلة من
الفكر، إنها المتاهة الأبرز تعقيدا التى قدمها عن رواية تيم
بيروتا، الذى اشترك معه فى كتابة السيناريو.. تلك الأحداث التى
تدور فى حى واحد، يتورط فيها رجل وإمرأة فى علاقة جنسية سرية من
خلف ظهر عائلاتهما، وعلى الصعيد الآخر تتناول المتاعب التى يتعرض
لها متحرش سابق للأطفال، بعدما يحاول استعادة حياته الطبيعية بين
جيرانه بالحى، وخاصة هذا الجار العنصرى الذى يلفظه بشدة، ويطلب
بإستماتة من أهل الحى طرده من المكان.
يعاود فيلد، استخدامه لطريقة السرد ذات الوجهين، والتى لا تُعرى
حقيقتها إلا بعد منتصف الفيلم الأول، ففى البداية، ينجح بالتركيز
على مواطن الضعف فى حياة كل من سارة وبراد، فيقدم صورة بائسة تحض
على الإحساس بالنفور، فكل منهما يشعر بالتيه، لا يفلح فى تحقيق
ذاته، وقد استسلم لهذه النتيجة ولم يحاول تغييرها، وبالتالى فإن
لقائهما الأول، كان المحك الذى أثبت لكل منهما بأنه مازال يملك
القدرة فى الشعور بأى احساس يعادى حالة الخمول التى تمكنت منه. وقد
استخدم فيلد صوت الراوى، ليوضح عدد من المداخلات الطفيفة التى
تُساهم على رسم الصورة. على صعيد آخر، تعمد فيلد فى أن يرسخ
انطباعا غائما مريبا عن متحرش الأطفال الذى يرتعب منه الحى بأكمله،
تاركا اياه لعدة مشاهد، مجرد مادة يتحدث عنها الآخرون فى الأخبار،
وما بين جيران الحى، وحتى فى مشهد ظهوره الأول، نراه صامتا، مقتحما
المساحة الخاصة للأطفال فى حمام السباحة العام، بقسمات وجه صمّاء
لا تساهم فى إعطاء المُشاهد أية دلالات، لتتمدد فرص التخمين، وتميل
نحو توجسات الرايجة ومخاوفهم صوب هذا الرجل.
فى النصف الثانى من الفيلم يتضح المزيد عن علاقة سارة وبراد، والتى
فى حد ذاتها لا تعتبر أى شىء، ولكنها وسيلة هروب، يلتجأ إليها
كليهما، للإختباء من مواجهة مشكلاته، والتملص من الطريقة التى يجب
أن يحقق بيها ذاته، فبدلا من أن يواجه براد مصير إخفاقه المهنى،
حتى ولو بالإستعاضة عما لا يرغب فى العمل به بآخر يُفضله، ينغمس فى
علاقته الجنسية بسارة، ويبقى على حاله، فى مزاولة رعاية ابنه
الصغير أثناء عمل زوجته، أى أنه يُبقى على مشكلاته كما هى، وفقط
يدير ظهره لها، وكذلك سارة، تحسب أن سعادتها تتوقف على قدرتها
الهرب مع براد وإنشاء حياة جديدة فى مكان آخر، بينما تتناسى أنها
شرعت فى وقت ما العمل على رسالة الدكتوراه، كما تناست قبلا كل شىء
يبرهن على كونها أنثى، بداية من شعيراتها المشعثة، ومظهرها الرث،
فقد استسلمت كليا لحياة غيبوبية، لم تشعر فيها بلذة الاعتناء
بصغيرتها الجميلة، ولا باليقظة إلى مصدر السعادة الذى قد تخلقه من
داخلها قبل أن تظن أن مفتاحه هو الهروب مع براد، وممارسة الجنس معه
بشراهة.
ومن ثم يبدأ السرد عن حياة المتحرش رونى عن قرب، وعلاقته الطفولية
جدا مع والدته العجوز، تعلم عن معاناته النفسية بغير الإنشغال عن
أسبابا واضحة لها، ولكن العلاقة الحميمية التى ربطت بينه وبين أمه،
قد تكون من الدواعى التى لم توفر له حياة صحية عادية، وعلى أية
حال، لم يتوقف السيناريو عند هذه النقطة بأكملها، بينما أبرز ما
يحمله قلب رونى من محبة، فى الوقت الذى لم ينفى عنه الإختلال
النفسى والجسدى، مقدما اياه فى صورة قاسية، وهو يمارس عادته السرية
أمام إمرأة شرعت أمه فى ترتيب موعد له معها، وهذا التصادم القوى
الذى تعمد فيلد، أن يضع المتفرج حياله، له دلاله تنعكس على مغزى
الفيلم بأكمله، فكل الشخصيات تحمل الجانبين المتناقضين من الضوء
والعتمة، كل منهما يحمل تشوها ما، بشكل متطرف ملحوظ، سارة، براد،
رونى، وحتى الرجل العنصرى الذى يطارده ويحرض أهل الحى صوبه، هو
الآخر يحمل فى داخله قلبا هشا، يهلع لرؤية رونى مريضا فى نهاية
الفيلم، ويسعى لإنقاذ حياته.
هنا استطاع فيلد أن يحكم ايقاع فيلمه لدرجة تحبس الأنفاس، التقطيع
المحكم ما بين المشاهد، والإنتقال البانورامى وقت عدد من المواقف
الهامة قبيل نهاية الفيلم، مع استخدام الأصوات العادية واستخدام
موسيقى تبعث على القلق والتوتر، مثل صوت حركة القطار، وصوت
الأرجوحة فى منتزه الأطفال، وصوت الساعات فى المنزل، إضافة إلى
التجديد الذى استخدمه فى السرد، من لهجة تحمل نبرة السخرية احيانا
بصوت الراوى، وبعض التعليقات الكرتونية المدعمة بالصورة، مثل
اللقطات التى كان براد يقارن فيها بين جسد زوجته وبين سارة عشيقته.
رموز ومعلومات
من العوامل التى اشترك فيها الفيلمين بشكل ملحوظ، استخدام الرموز
وبقوة، ففى الفيلم الأول، يأتى المشهد الذى يشرح فيه الأب لإبن
ناتالى الصغير، عن أنثى القريدس، وعن طبيعة شبكة الصيد التى توقع
بها كفريسة، فيقول له أن أنثى القريدس وخاصة تلك التى تحمل البيض،
تمثل خطورة خاصة لأنها قد تتزاوج من ذكرين بدون مشكلة، كذلك يخبره
عن طبيعة شبكة الصيد التى يوجد بها غرفة تسمى غرفة النوم، تحمل عدد
من الرؤوس التى تطيح بأى عدد زائد من القريدس، فى تورية واضحة،
يُلم بها المُشاهد حينما يموت المراهق الصغير فى نزاع مع زوج
حبيبته، بينما يكمن المعنى الأبعد لعمل غرفة النوم فى شبكة الصيد،
على ما يقوم به الأب فى نهاية الفيلم بقتل زوج ناتالى، فغرفة النوم
لا تتحمل أكثر من قريدس واحد، ولابد للآخر أن يتأذى.
رمز آخر من نفس الفيلم، يأتى فى المنتصف، وقت تيه الأب، وغربته بين
ألمه من فقد ابنه، وضغط زوجته على أعصابه، ينجرح إصبع الأب، ويظل
ينزف بلا هوادة، أثناء مزاولته هواية الصيد، وفى المشهد الأخير،
حينما يعود للمنزل بعد قتله لزوج ناتالى، يزيح ضمادة اصبعه ليجد
الجرح قد شُفى تماما، فهو الآن يملك استقرارا كافيا لكى يخفت صوت
كل شىء من حوله وفى داخله.
أما فى الفيلم الثانى، يأتى اسمه "أطفال صغار" little
children حاملا
الملخص الأوفى، لهذه الفوضوية التى تتسم بها علاقات الشخصيات
وطبائعهم فى حد ذاتها، إنهم فى سخافاتهم الغير مفهومة، يشبهون
طفلة صعيرة، تتذمر طوال الوقت بعكس ما تشكى منه، تماما كـ "لوسى"
ابنة سارة، التى ترفض بقوة أن توضع على كرسى السيارة المخصص
للأطفال، تذعن لها أمها فى البداية، ولكن فى نهاية الفيلم، تصر أن
تضعها على المقعد رغما عنها، وتُقرر أن تعود للمنزل متخلية عن فكرة
الهرب مع براد برمتها، فى الوقت الذى يقرر فيه براد أن يجرب
الهواية التى طالما ازهق روحه فى متابعة شباب الحى وهم يمارسونها،
يقبض على لوح التزلج فى جرأة ويفعلها غير آبها بالعواقب، مقررا هو
الاخر فى النهاية أن يعود لزوجته، متغافلا عن فكرة الهروب مع سارة،
كما توقف الجار المشاغب عن مطاردة رونى بعد وفاة والدته، بل وكان
حريصا على الاعتذار منه، إنه بالتأكيد ليس الحل النهائى لكل
المشكلات، ولكنها اللحظة التى يتوقف فيها الجميع عن التصرف كطفلة
صغيرة.
فى الفيلمين، يقدم فيلد فى اسلوب البناء نصف معلومة، تظل مجهولة،
حتى يتم توضيحها قريبا أو بعيدا خلال الأحداث، ولكنه فى أية حال،
لا يجعل منها مصدر تشويش قدر ما يدفع من خلالها المتفرج لأن يكون
أكثر يقطة، ففى الفيلم الأول، تقول الزوجة لزوجها فى بداية الفيلم
وهى تقصد ناتالى" إنها ليست المرة الأولى التى تحاول فيها إغواء
رجل"، تظل هذه المعلومة مطروحة فى غموض حتى توضحها الزوجة بشكل
أبرز، حينما تواجه زوجها برغبته فى ناتالى.
وفى الفيلم الثانى، تُفجّر والدة رونى فى وجه الجار العنصرى جملة
لا محل لها من الاعراب بالنسبة للمتفرج، حينما تصرخ فى وجهه قائلة
" وأنت تعلم ماذا فعلت بالطفل الصغير فى المركز التجارى" ينسحب
اثرها الرجل ذو الصوت الجهورى، ولا يصمد أمام تذكيرها القوى لواقعة
هامة تخصه لم يتعرض لها السيناريو بأى اشارة سابقة، ومن ثم يوضح
الرجل لبراد حقيقة الواقعة كاملة بعدما يتضح أن براد يعلم عن بعض
تفاصيلها ليبقى المتفرج وحده بينهما لوهلة محاولا استعياب هذه
الحادثة الهامة التى تظهر فى حياة رجل قد ألف حضوره على الشاشة
وانتهى من تكوين انطباع ما عنه. لتُغير هذا الإنطباع مرة أخرى
وتعبث به، فهو اسلوب فيلد الواضح الذى استخدمه فى كلا الفيلمين،
ثمة المزيد والمزيد الذى لن يدعك تصل لحقيقة مطلقة بخصوص رأيك عن
شخصية أو موقف ما.
آخر كمتين
تجربة فيلد تزدهر أكثر على مستوى الكتابة، وتبدو عادية على المستوى
المرئى، على الرغم من أن الفيلم الأخير قد حمل بعض الدلالات الهامة
على مستوى الصورة، ولكن المضمون الأقوى بقى فى الصياغة الجهنمية
للأحداث برمتها تفصيلا وعلى المتسوى الإجمالى. |