هوفمان الأحدث ومونرو وجاكسون الأبرز
ضحايا الشهرة والنجومية
إعداد: عبير حسين
أعاد رحيل الممثل الأمريكي فيليب سيمور هوفمان الحديث عن الجانب
الأسود من الشهرة التي لا يستطيع أصحابها التحكم في مجريات أمورهم
فيبدأون منحنى السقوط المريع، وهم في أوج المجد والنجومية . وفي
السطور التالية نستعرض أبرزهم
. .
التقرير الرسمي لوفاة هوفمان الذي يتشابه إلى حد بعيد مع تقرير
رحيل ويتني هيوستن أرجع الوفاة إلى حدوث تسمم حاد بسبب تناول خليط
مخدرات ومهدئات وعقاقير لمعالجة القلق . كانت الشرطة عثرت على جثة
هوفمان 47 عاماً الحائز جائزة أوسكار أفضل ممثل 2005 عن دوره في
فيلم
CAPOTE
الذي جسد فيه شخصية المؤلف "ترومان كابوتي" في شقته بنيويورك مطلع
الشهر الماضي، إضافة إلى 70 كيس هيروين!
هوفمان هو الأحدث في سلسلة المشاهير الراحلين الذين يمكن اعتبارهم
"ضحايا الأضواء"، والقائمة عامرة بأسماء كبيرة مثل مارلين مونرو،
داليدا، مايكل جاكسون، إيمي واينهاوس، هيث ليدجر، وغيرهم العشرات
إلى جانب قائمة لآخرين محتملين تحتلها أسماء لامعة هي الأكثر عرضة
لتلقي نفس المصير منهم ليندساي لوهان، مايلي سايروس، جاستين بيبر،
ماكولاي كالكن، وغيرهم ممن يبدو أنهم بطريقهم لفقدان السيطرة على
مجريات حياتهم، وتحتل فضائحهم الصفحات الأولى في الصحف العالمية
.
لا تقتصر القائمة على الفنانين فقط بل تمتد لمشاهير آخرين من عالم
الأدب منهم الروائي الأمريكي الشهير إرنست هيمنغواي، ومن عالم
الموضة والأزياء يبرز المصمم البريطاني ألكسندر ماكوين، وكلاهما
قرر إنهاء حياته على الرغم من نجاحهما الكبير، وشهرتهما الواسعة،
وغيرهما كثير يتشابهون في الأعراض والمصير، ويختلفون في الأسباب
التي دفعت بهم إلى الانهيار
.
البروفيسور روبرت بي ميلمان مختص الطب النفسي في كلية الطب جامعة
كورنوول تحدث عن حالة مرضية أطلق عليها "متلازمة الظرفية النرجسية"
التي يقع المشاهير فرائس لها بعد وصولهم إلى مستويات "عالية" من
المجد كما يرونه، وقال: "الشهرة عالم مختلف، ومتلازمة الظرفية
النرجسية تعد اضطراباً حقيقياً يصاب به الأشخاص الذين يبالغون في
الاهتمام بذواتهم، ما يدفعهم إلى التمرد على واقعهم، وبالتالي
معاناة علاقات غير مستقرة، غالباً ما تدفعهم إلى تعاطي المخدرات"
.
وأشار ميلمان إلى أن هناك حالات لمشاهير كانوا ضحايا للنجومية ليس
بسبب وصولهم إلى حالة "التشبع" منها مثل مونرو، وجاكسون، بل
لرغبتهم في الحصول على مزيد منها باعتبارها المقياس الرئيس للوصول
إلى المجد . فهناك بعض الحالات سبب بحثهم الدائم نحو المزيد من
الأضواء والنجومية إلى دفعهم لحافة الهاوية
.
أضاف ميلمان: فريق ثالث هو من "الضحايا" الحقيقيين لعالم هوليوود
مثل مأساة الممثل الأسترالي هيث ليدجر الذي رحل عن 28 عاماً بعد
تناوله جرعة زائدة من المهدئات بحثاً عن نوم جافاه لأشهر طويلة
الذي أرجعه الأطباء النفسيون إلى "عدم قدرته على التكيف" . كان هيث
نموذجاً باحثاً عن "العمل" أكثر من "الشهرة"، ترك بلده مبكراً
وعمره 16 عاماً بعد إنهاء دراسته الثانوية مطارداً حلمه بالنجاح في
التمثيل، وحالفه كثير من التوفيق فكان من أصغر الممثلين الذين
رشحوا لجائزة الأوسكار ولم يتجاوز 25 عاماً، والمفارقة المأساوية
أنه نالها عن 28 عاماً عن دور "الجوكر" في فيلم "فارس الظلام"،
لكنه كان قد رحل قبل موعد حفل توزيع الجوائز، فتسلم والده ووالدته
أوسكار أفضل ممثل مساعد نيابة عنه .
لم يتحمل ليدجر تدخل الصحافة الفنية بشكل سافر في حياته، وتسبب ذلك
بمعاناته ضغوطاً قاسية بعد علاقة مضطربة مع مصوري الباباراتزي
أهمها عندما اتهمه أحدهم بالاعتداء عليه في سيدني 2004، وفي 2005
قام كثير من المصورين انتقاماً للحادثة المزعومة برش ليدجر وخطيبته
ميشيل ويليامز بالماء من مسدسات ماء أثناء عبورهما على السجادة
الحمراء في حفل افتتاح فيلمه "جبل بروكباك" وهو الفيلم الذي حصد
عنه جائزة المعهد الأسترالي كأفضل ممثل . إضافة إلى سلسلة طويلة من
الشائعات حوله أطلقتها عدة صحف ومجلات مثل منع عرض أفلامه في عدة
ولايات أمريكية، وشائعة أخرى عن استهزائه بترشحه لجائزة "غولدن
غلوب"، وغيرها كثير غير صحيح تسبب بعدم قدرته على النوم إلا بتناول
أدوية مهدئة كانت سبباً في إنهاء حياته
.
الطبيبة النفسية سو إديكسون أشارت إلى سبب آخر وراء سقوط المشاهير
في الجانب الأسود من الشهرة، مؤكدة أن هناك إحباطات مغايرة لديهم
تنتج عن الهوة الواسعة بين ما يحلمون به، وبين ما يصلون إليه،
فالبعض أقدم على إنهاء حياته بسبب عدم وصوله إلى مبتغاه، وحصوله
على شهرة أقل مما يعتقد انه يستحقها وفقاً لتقديره الشخصي الذي
أحياناً يكون خاطئاً
.
كتبت إديكسون مقالاً شهيراً نشرته مجلة "أتلانتك" بعنوان "القوة
وتكلفة المجد والشهرة" قائلة: "الشهرة لدى البعض تعد مجالاً للدفاع
عن مشاعر النقص والحرمان ويسعون إلى المزيد منها باعتبارها معيار
تحقيق ذواتهم، وفي هذه الحال يظلون يعانون عدم تحقيق الكفاية، وعدم
الاقتناع بالنجاح، ويستمرون بالضغط على أنفسهم سعياً وراء القمة
التي رسموها في خيالهم". ومن هذه الأمثلة الأديبة الإنجليزية
فيرجينيا وولف التي اقتبست السينما عدداً من أشهر أعمالها، والتي
قررت إنهاء حياتها وهي بأوج مجدها بطريقة مأساوية عندما اتخذت
طريقها إلى نهر "أوس" وألقت بنفسها فيه بعد ما زودت معطفها بعشرات
الحجارة حتى تطمئن إلى أنها لن تطفو . كانت وولف أصيبت بحالة
اكتئاب بعد الاستقبال البارد الذي حظيت به السيرة الذاتية التي
كتبتها لصديقها الراحل "روجر فراي"، وازدادت سوءاً بعد اندلاع
الحرب العالمية الثانية وتدمير منزلها في لندن، فقررت إنهاء حياتها
مخافة إصابتها بانهيار عقلي
.
الكاتبة سوزان سومرز في كتابها "بعد السقوط" علقت على أحد الجوانب
المدمرة للشهرة قائلة: "عند الوصول إلى الشهرة لا يهتم أحد بالحالة
النفسية، يهتم الجميع بالأرباح المتداولة، يهملون الجوانب النفسية،
والروحية، والعاطفية، ويدخل الجميع في لهاث مستمر وعدد ساعات عمل
أطول" . أضافت: "يسقط البعض تحت دائرة الضوء لأنهم بشر، طبيعتهم
البشرية الضعيفة تجعلهم غير قادرين على مواجهة الأحداث الصعبة،
والمواقف المؤسفة، وهنا مثلاً تظهر حالة انتحار كريستينا أوناسيس
التي انتحرت والدتها عام 1974 بعد وفاة شقيقها في حادث طائرة، ثم
تدهورت صحة والدها بعد الحادثين ورحيله 1975، وعلى الرغم من نجاحها
في إدارة إمبراطورية النقل البحري التي تركها والدها، إلا أنها
عانت حياة مضطربة بعد فشلها في الزواج 4 مرات، فأقدمت على إنهاء
حياتها شابة لم تتجاوز 37 عاماً بتناول جرعة زائدة من عقاقير منومة
مضافاً إليها أدوية تخسيس الوزن"
.
نماذج "متوازنة"
بين فترة وأخرى يطفو على السطح الحديث عن الجانب الأسود للشهرة،
لكن هذا لا ينفي أن لكل عملة وجهين، وأن الحياة تحت الأضواء تمنح
من يحترمها الكثير قبل أن تكلفه، وهناك نماذج مستقرة منذ سنوات
طويلة، نجحت في التكيف مع هذه الصعوبات، والتفتت إلى تطوير مهنتها
وذاتها، ومن أبرزها أوبرا وينفري صاحبة أفضل برنامج حواري استمر
ربع قرن بنجاح غير مسبوق، ومازالت تحافظ على حضورها ونجاحها
الإعلامي بالرغم من الصعوبات التي تواجه قناتها الخاصة "0"، وإذا
كانت شخصية وينفري القوية وسيلتها الأولى لتحقيق توازنها ونجاحها،
فإن الاهتمام بخدمة الآخرين، وتقدير الدور الاجتماعي للفنان كان
وسيلة مغني الروك الشهير "بونو" في الحفاظ على صحته النفسية
وتوازنه الشخصي بسبب انشغاله الدائم بمبادراته الرائدة للقضاء على
الجوع والفقر، وتشاركه التجربة نفسها "غولدي هون" صاحبة مؤسسة دعم
التعليم المبكر للأطفال
.
تقف تجربة ميريل ستريب فريدة تستحق الإعجاب، لأنها نجحت في تحقيق
التقدم على كل المسارات بفضل استقرارها العائلي الذي كان له الفضل
الأول في دعمها نفسياً ودفعها فنياً . وتتمتع ستريب بزواج مستقر مع
"دون غومر" منذ عام 1978، ولها 4 أبناء (هنري، مامي، غريس، ويزا)،
وتلقب "بالأسطورة الحية" فهي الممثلة الأكثر ترشحاً في تاريخ جوائز
الأوسكار ب18 ترشيحاً، فازت بثلاثة منها، كما ترشحت ل 25 جائزة
غولدن غلوب فازت بثمانية
.
إعادة تأهيل
دونا دوكويل الطبيبة النفسية مؤلفة كتاب "علم نفس الشهرة" التي
تعمل بهيئة التدريس المشارك في مدرسة ميتشغان لعلم النفس المهني
تقدم عبر مدونتها على الانترنت عدة حالات من دون ذكر أسمائهم
لمشاهير أشرفت على علاجهم، أو إعادة تأهيلهم في مصحات عالمية،
وتقدم نصائحها فيما يتعلق بطرق السيطرة على النفس، وكيفية التعامل
مع التغيرات النفسية والاجتماعية ما بعد الشهرة التي ربما تصيب
البعض "بلوثة" خاصة إذا واتت الشهرة صغاراً بالسن (مثل ماكولاي
كالكن، جاستن بيبر، ومايلي سايروس) . كتبت دوكويل في مدونتها
"الشهرة تغير حياة أصحابها إلى الأبد خاصة إذا حدثت بين عشية
وضحاها، لذا يلجأ البعض إلى تعاطي المخدرات التي تعبر عن مرحلة عدم
الثقة، والعزلة، وانعدام الخصوصية، معتقدين أن الإفراط في تناول
الكحول والمخدرات من شأنه إبقاؤهم على "فرط الحركة" التي يبحثون
عنها" .
أطلقت دوكويل على الفنانين المحاصرين بأضواء الشهرة ألقاباً مثل:
"شخصيات الطين"، "حيوانات في أقفاص للعرض"، "ألعاب في نوافذ
المتاجر" و"أشخاص يعيشون في أحواض الأسماك"، أو "دمى باربي"،
وجميعهم يحتاجون إلى تأهيل يمكنهم من الحصول على الالتزام اللازم
لمواكبة الشهرة التي تكون فقدان الخصوصية أول ضرائبها الباهظة .
اقتبست دوكويل من كتابها "علم نفس الشهرة" عبارات كتبتها على
المدونة أهمها "الحياة بها الكثير مما هو أهم من جمع الثروات، هناك
قيم و أصالة يجب الدفاع عنها، الاهتمام بالأعمال الاجتماعية،
استمرار التواصل مع الآخرين الناجحين كلها عوامل تساعد على تحقيق
التوازن المفقود في عالم النجومية"
. |