زوم
عرفنا أهمية السينما لكنّنا لم نستثمرها جيداً بعد!!!
بقلم محمد حجازي
لا نقاش في أنّ العالم العربي اكتشف أهمية السينما متأخّراً.
وهو ما يذكّرنا أولاً وأخيراً بالأسلوب الذي أقنع به المخرج محمد
كريم، أواسط الثلاثينات، الموسيقار محمد عبد الوهاب بأهمية هذا
الفن الجديد، لجهة أنّه يوفّر عليه إرسال صورة بالبريد إلى معجبيه
في دنيا العرب، لأنّ السينما ستحمل هذه الصورة إليهم وبـ«أكبر
مقاس» كما يقول الأخوة في مصر.
اليوم يُقال: يا سادة قضاياكم لا تحتاج إلى سفراء أو وزراء أو
مبعوثين، هي تحتاج فقط إلى شريط مصوّر يلفُّ الدنيا كلها، حاملاً
ما وضعتموه في داخله من رغبات تريدون توصيلها إلى أهل الأرض كلها،
وهذا يكفي، شرط أن يكون المصنّف الفني هذا منفّذاً بطريقة حضارية.
هذا الانتباه أو الوعي تلقّفه أهل الخليج أفضل منّا، ليس لأنّ
المهرجانات تُقام ويستمر استيراد كل إبداع لعرضه، بل لأنّ هذه
التظاهرات فتحت باباً جديداً في نشاطها يقول بأنّ فترة إقامة
المهرجان لا تنحصر في أسبوع أو عشرة أيام فقط، ومن ثم تنام
السينما، والعاملون فيها طوال العام أو ما تبقّى منه، بل المطلوب
هو جعل الفن السابع هذا، فنّاً في المرتبة الأولى على مدار العام،
بدليل هذا الكم الكبير من الخيارات السينمائية التي تتم برمجتها
شهرياً في عملية تواصلية لا تهدأ وتيرتها أبداً، وهي تقدّم
النتاجات الأفضل التي ظهرت، في أنحاء العالم سابقاً وراهناً بما
يؤكد مقولة ذات مغزى وتتعلّق بأنّ الغرب في مكان واحد يفكُّ اللحام
مهما كان قوياً ومتماسكاً، ونحن بكل بساطة نريد هدم الجدران التي
تعزل أفكارنا عن الجديد والمتميّز، عن الآخر، وما عنده من أفكار
وتطلّعات ورغبات، من منطق المعرفة والاطلاع لتنوير أدمغتنا على
الجديد.
الحقيقة تقول بأنّ السينما إنتاج.
هذا صحيح مئة في المئة، فهي تحتاج إلى الصرف، إلى الميزانيات
العملاقة، إلى المشاريع التي لا تتوقّف عند حاجز المال، بل هي
تعتبره آخر همّها، وقد لفتنا خلال حديثنا إلى المدير الفني لمهرجان
دبي السينمائي الدولي مسعود أمر الله آل علي، عن خصوصية هذا الحدث،
في وقت يُريح التفكير بأنّ كامل احتياجات المهرجان تُلبّى بسرعة،
ما قاله ردّاً على هذا الكلام: ليس صحيحاً أبداً أنّنا في
مهرجانَيْ دبي، والخليج (الشهر المقبل دورة جديدة) نوزّع المال
على قارعة الطريق، وإنّ كل قرش يُصرف يجب أنْ تكون له جدوى
اقتصادية واضحة، وإلا فإنّنا لا نتهم.
وعن تصوير الآخرين المال على أنّه تهمة يرد آل علي بالقول: المشكلة
عند الآخرين وليست عندنا. غيرنا يقول الكثير... ونحن نفعل الكثير.
وإذا كان علينا الانفتاح على ثقافات وآراء العالم واستقدام أفلامهم
إلى شاشتنا في المهرجانات وخارج احتفالياتها أيضاً، فإنّه لا مبرّر
للدخول في مهاترات غير مجدية تتعلّق بمنع فيلم هنا وآخر هناك، وفق
مبرّرات تباينت وفق المعايير الرقابية سياسياً اجتماعياً سلوكياً
ودينياً، من دون أنْ نعرف معادلة منطقية بسيطة مطلوب تطبيقها: حتى
يقبل الآخر في العالم أفكارك عليك عدم رفض أفكاره وقناعاته، على
الأقل الاطلاع عليها، وهذا يستدعي وعياً ونباهة وشفافية علينا
الاعتراف بعدم توافرها بالقدر المطلوب عندنا.
نصارحكم هنا بأنّ كل حُكمٍ يصدر بمنع عرض فيلم، أو رفض استيراد
أشرطة من بطولة فلان أو علان، تُصيبنا بإعياء نفسي.. فالعالم
المفتوح على بعضه ما عاد في استطاعة أحد حجب فكر أو رأي أو شخصي،
فما الذي يمنع أنْ نسمع أو نرى ما عند الآخر، فإذا ناسبنا قبلناه
وباركناه، وإذا خالف تقاليدنا ومعتقداتنا وضعاناه جانباً بعدما
أخذنا علماً به فقط.
العالم يفهم بالمنطق، ورأيه العام لا يحب الرصاص، وأي صورة فيها
أكشن يضعها في خانة الإرهاب من دون تردّد، فما الذي يمنع أنْ
نخاطبه بلغته التي يفهمها، بالمنطق والعقل، فقط كي نوصّل إليه
رسائلنا الكثيرة التي عيبنا معها أنّنا لم نعرف كيف نشرحها جيداً،
فهل من عاقل يصدّق بأنّ قضية مُحقّة عمرها أكثر من 64 عاماً مازالت
حائرة وغير واضحة للغرب كله: إسرائيل محتلة ومعتدية، وتُقيم دولة
في أرض ليست لها، لكنها تظهر أمام الرأي العام العالمي بريئة، ومن
حولها من العرب يعتدون عليها، أي وقاحة هذه، وأي ضعف في خطابنا
جعلها هكذا.
نقد
«أرق»
لـ ديالا قشمر ينقل واقع مجموعة من شباب «حي اللجا» في بيروت
109 دقائق صادقة لنماذج هي ضحايا حيّة للحروب المتعاقبة على بلدنا
«أرق»
لـ ديالا قشمر، صوّرته العام الماضي 2013، وفازت عنه في كانون
الأول/ ديسمبر المنصرم بجائزة لجنة التحكيم الخاصة من مهرجان دبي
السينمائي في دورته العاشرة.
«أرق»،
فاجأنا بصدمة، ودخل إلى القلب سريعاً بعفوية هي نفسها التي عرفناها
عن المخرجة التي تعرّفنا عليها في دبي، ولم تُتح لنا هناك فرصة
مشاهدته، فتابعناه في العرض الخاص الذي أُقيم ظهر الخميس الماضي في
صالة متروبوليس - أمبير، هذه الصبية (35 عاماً) تخاطب فينا الإحساس
والمباشرة، وتدخل إلى منطقة ليست بعيدة عنّا، بل قريبة جداً منا،
إنّها في منطقة المصيطبة، وتحديداً في «حي اللجا»، الذي تحوّل
اليوم إلى خلية نحل رسمية فدارة الرئيس تمام سلام عند أطرافه،
وعائلة سلام كما عائلات بيروتية أخرى كثيرة، جعلت المنطقة تُطبع
بطابع «قبضايات» تلك الفترة، وهم غالباً من الأوادم الأقوياء
القادرين على أنْ تكون لهم كلمة محترمة في الشارع، وصولاً إلى
الحقبة التي عرفت المنطقة هجرة من الجنوب إلى شوارعها الداخلية،
حتى تحوّلت إلى عمق جماهيري شيعي تفاعل مع محيطه من أبناء بيروت،
وهو ما يلحظه فيلم «أرق» لـ ديالا، الذي يمتد على مدى 109 دقائق
دافئة وصادقة.
تُخبِر المخرجة في سياق الأحداث عن أنّها كانت تمر في الشارع،
وعندما ترى الشباب الذين يتوزّعون بعض المواقع لجلساتهم ومراقبة
العابرين، تعتبرهم من الزعران، وهذا ما أبلغته إليهم فضحكوا، لكن
النماذج التي أضاءت عليها، واحتكّت بها وتحدّثت إليها جميعها من
أصحاب السوابق، شباب معظمهم لم يبلغ الثلاثين عاماً بعد، يروون
علاقاتهم بالمخدرات، والحياة الخاوية، ومناخ الأكشن الذي فرضته
مناخات الحرب، ويفضلّونه أيضاً على الشاشات، ويعتبرون أنّه لا توجد
فتاة تحبّهم وإذا حصل وعرفتهم على حقيقتهم فإنّها لا تنساهم مدى
عمرها أبداً لأنّهم أولاد عالم، أولاد بيوت، لكنهم أساؤوا إلى
أنفسهم ومستقبلهم، ولا يريدون تغيير هذا النمط الذي يعيشونه.
ديالا تحاورهم قليلاً، لكنهم في غالبية الأحيان يتحدّثون لوحدهم من
دون حافز، إذ كانوا يتدفّقون ويطلقون حكماً إنسانية، عن الحبس الذي
كانوا فيه وعن الحبس الكبير في الحياة، حيث لا يعثرون على عمل،
وأبرزهم يروي أنّه يفضّل سجن رومية على سجن طرابلس المركزي لأن
الأوّل كلّه شيعة، والثاني كلّه سُنّة من السلفيين، الذين تواجد مع
49 منهم في قاووش واحد وهم هدّدوه بأنّهم قادمون إليه وإلى جماعته
في الضاحية، وعتب على والده لأنّه لم يفعل شيئاً لنقله إلى رومية،
الذي اعترف زميل له بأنّه يستفيد فيه أكثر، ويعمل أكثر ويجني أكثر
من المال من تجارة الحبوب المخدرة.
آسر هذا الفيلم.. لكنّه لا يسبب أرقاً، فكل ما فيه أنّه يدخل إلى
منطقة المعلومات عنها قليلة، لكن تناوُل موضوعها بكثير من الواقعية
جعل الفيلم صريحاً جداً، وكل من شاهده عرف من خلاله أي نموذج من
جيل اليوم يقف أمام الكاميرا، عرفنا بعضهم العصبيين، وتحمّلت
ديالا، ثم تواصلت جيداً مع أحدهم، ثم مع بعضهم، إلى أنْ وصلت
الصورة بالكامل إلينا، فهم مجموعة شباب يقارب عددهم العشرة، كلّهم
أصحاب قلوب طيبة، لكن إذا ما تطوّرت الأمور عكس ذلك فلا أحد يضمن
الباقي، والشخصية الرئيسية في الفيلم علاء كان يتحدّث إلى والدته
بعدما خرج من سجن طرابلس: تقبريني.. جايي لعندك إركع وبوس إجريكي،
شو بدك بأمرك.
هذا المناخ يقدّم لنا شريحة حاضرة من جيل الحرب، جيل هذا الزمن
الذي عاشه شبابنا كل في الـ «غيتو» التابع له، ويتميّز «أرق» بأنّه
لم يُصوّر لأنّ في حي اللجا، تجمّعاً شعبياً من مذهب معين، بل من
أجل الإضاءة على من لجأوا في وقت ما، من جنوب لبنان إلى عاصمته،
وسكنوا في منطقة واحدة متلاصقين، وجاءت التطوّرات المعروفة كي تجعل
من هذا النسيج قضية حاضرة.
أحببنا «أرق» لأنّه يقول الكثير مما لا نعرفه... والكثير أيضاً من
الذي ندركه ووجدناه صادقاً على الطبيعة.
عرض
سيارات وقلوب في شريط جاذب...
نادراً ما تابعنا شريطاً يحكي عن سباق سيارات وتفاعلنا معه، كما
حصل مع فيلم
(Need for speed)
للمخرج سكوت ووغ، كتب له السيناريو جورج غاتنز، عن قصة تعاون عليها
جورج وجون غاتنز، اللذان صرفا على الانتاج 66 مليون دولار، وتولى
التوزيع شركة دريم وودكس التي أحد مالكيها ستيفن سبيلبرغ.
ساعتان و12 دقيقة، هي مدة الشريط الذي جنى في يوم واحد من افتتاحه
في الصالات الأميركية ما يقارب الـ 18 مليون دولار يوم 14 آذار/
مارس، وحتى 18 منه، جنى الفيلم أكثر من عشرين مليوناً ونصف المليون
دولار، رغم كونه من دون نجوم صف أول اطلاقاً، وحيث الأسماء عادية
جداً: آرون بول، دومينيك كوبر، إيموجين بوتس، سكوت ميسكوتي، رامي
مالك، رامون رودريغز.. وحده مايكل كيتون من الأسماء المعروفة والذي
يقوم بدور مونارش الذي يحمس السائقين المحترفين لكي يفوزوا
بالجائزة الكبرى التي حددها. وتحصل الكثير من المناوشات،
والمطاردات، ومحاولات العرقلة لهذا السائق توبي مارشال (بول) لكنه
يظل قادراً على بلوغ الصدارة، رغم كل الصعاب المذهلة التي واجهته
في رحلة السباق، في مواجهة متسابقين لا يعرفون الرحمة ولا القيادة
الرصينة.
لـ بول حضور رصين وجيد، هو في الـ 35 عاماً، يديره المخرج ووغ،
الذي عرفناه عام 2003 في خطوة في الماء، وعام 2012 عصر القيم.
تظاهرة
شاشات الواقع 10...
أنطلقت أمس في سينما متروبوليس، أمبير صوفيل الدورة العاشرة من
مهرجان: شاشات الواقع والذي يستمر حتى الثلاثين من آذار/ مارس
الجاري.
الأفلام الوثائقية هي الحاضرة في هذه الدورة وكان شريط الافتتاح:
منزل الراديو لـ نيكولا فيليبير. تعرض الدورة: أرق لـ ديالا قشمر،
أنوثة ساكنة لـ كورين شادي، كما يعرض: أسمهان ديفا شرقية لـ
سليفانو كاستانو في انتاج لـ ديغول عيد المخرج المقيم في فرنسا منذ
سنوات له: الميدان لـ جيهان نجيم الذي كان مرشحاً لأوسكار أفضل
فيلم أجنبي غير ناطق بالانكليزية.
يوم الختام الأحد المقبل يعرض فيه: مايو الجميل لـ كريس ماركر،
وبيار لوم، ويشارك في الفيلم ايف مونتان.
خاص
«الميدان»
رائع....
عند السادسة من مساء الخميس الماضي أقيم عرض خاص لشريط: الميدان،
للمخرجة المصرية جيهان نجيم الذي كان أحد ثلاثة أفلام عربية مرشحة
للأوسكار هذا العام، في قاعة محاضرات المبنى الجديد لمعهد عصام
فارس قرب الملعب البيضاوي في الجامعة الأميركية، وأعقب ذلك جلسة
مناقشة شاركت فيها آسيا الميهي من منظمة الأسكوا، ورئيس مكتب الشرق
الأوسط لمنظمة هيومان رايتس نديم حوري.
إنتاج الفيلم تكلف مليون ونصف المليون دولار، مدته 95 دقيقة، لعب
أدواره البارزة: خالد عبد الله، دينا عبد الله، دينا عامر، مجدي
عاشور، شريف بوراي، عايدة الكاشف، رامي عصام، أحمد حسان، بثينة
كامل، خالد ناجي، راجية عمران، سلمى سعيد، أحمد صالح، علاء سيف،
ورامي شعث.
الإنتاج لـ كريم عامر، صانع الموسيقى التصويرية جوناس كولستروب،
وسكوت ساليناس، أدار التصوير: محمد حمدي، المخرجة جيهان، أحمد
حسان، وغريسيدا تراو، وعمل ثمانية على مونتاج الشريط الذي عرضته
بريطانيا في 10 كانون الثاني/ يناير 2014.
شريط وثائقي مؤثر وصادق، ومن الحالات النادرة التي نعثر فيها على
عمل توثيقي يلحظ الإيجابيات والسلبيات، ونعتبره وثيقة عن الثورة
المصرية في غاية الأهمية. |