عطيات الأبنودي واحدة من رائدات مجال السينما التسجيلية في مصر، هذا إن لم تكن
بالفعل أول مخرجة تسجيلية مصرية، رحلت عطيات الأبنودي بعد أن تركت إرثًا
سينمائيًا تسجيليًا مهمًا ومختلفًا عن كل ما تم تقديمه قبلها في مجال السينما
التسجيلية كما أنه ظل محتفظًا بجرأته وطزاجته واختلافه عن كل ما تم تقديمه في
مجال السينما التسجيلية بعدها أيضًا، حيث تبنت الأبنودي منذ بداية مشوارها
العملي والحياتي وجهات نظر البسطاء، السواد الأعظم من الشعب المصري، هؤلاء هم
من كانت تهتم بهم عطيات الأبنودي، هؤلاء هم من قررت التعبير عنهم وعرض صورهم
على الشاشات الكبيرة، عرضًا يليق بهم وبمعاناتهم وبكفاحهم.
لم تكن الأبنودي سيدة تقليدية، لم تستسلم لمصيرها الذي لحق بعشرات ومئات
الفتيات التي سبقنها أو انتمين لنفس جيلها حيث أصرت وقررت أن تُكمل دراستها وأن
تحقق حلمها بأن تلتحق بالجامعة، فالتحقت بكلية الحقوق ودرست القانون وكانت أصغر
طالبة في جامعة القاهرة عام 1956، ثم التحقت بالمسرح وتحديدًا مسرح العرائس ثم
عملت كمساعد مخرج ومدير خشبة مسرح فيما بعد قبل أن تتجه لدراسة السينما بمعهد
السينما، ثم سافرت إلى الخارج لاستكمال دراستها في مجال السينما أيضًا وعادت
لتقتحم عالمًا ذكوريًا خالصًا على الأقل في تلك الفترة وهو مجال صناعة الأفلام
وبالتحديد مجال صناعة الأفلام التسجيلية هذا على الرغم من أن مجال صناعة
السينما وترسيخها في مصر كان قد بدأ على أيدي الرائدات الأوائل من أمثال فاطمة
رشدي، عزيزة أمير، بهيجة حافظ، أسيا ومارين كويني لتنضم إليهن عطيات الأبنودي
كرائدة في مجال صناعة الفلام التسجيلية. كلها خطوات كانت تعتبر جريئة بعض الشئ
على هذه المجتمع الستيناتي الذي كان مازال يخطو خطوات حثيثة في مجال تعليم
الفتيات والعمل على توفير فرص عمل توفر لهن حياة كريمة بعيدًا عن ذل الفقر
والعوز.
لا شك أن الأبنودي كانت قد أولت اهتمامها بالإنسان بغض النظر عن جنسه ذكرًا
كان أم أنثى، ولكنها دائمًا ما كانت تنظر للمرأة بشكل عام وللمرأة المصرية
بشكل خاص من منظور أن المرأة هي إنسان قادر على فعل كل شئ وأي شئ، وأنها لا
ينقصها أي شئ بل أنها تتمتع بالذكاء والقدرة على الإبداع إن أتيحت لها الفرصة،
ورسخت الأبنودي من خلال معظم أفلامها ومن خلال بعض الأفلام التي تتناول وتحتفي
بالنساء قصصًا لنجاحهن وتفوقهن وقدرتهن على تغيير مصائرهن التعيسة والتي كان تم
اقرارها لهن سلفًا من قِبل سلطة ذكورية غاشمة.
على الرغم من أن عطيات نشأت في كنف أب لا يهتم بتعليم فتياته بل أنه لم يكن
يهتم بتعليم أبنائه بشكل عام إلا أنها وضعت التعليم أمامها كهدف حياتي لا بديل
عنه وساعدتها والدتها على تحقيق هدفها فقد كانت –كما تصفها عطيات نفسها- سيدة
متفتحة، نالت قسطًا بسيطًا من التعليم ولكنها حرصت أشد الحرص على تعليم عطيات
وتشجيعها على استكمال تعليمها حتى أصبحت هي الوحيدة من بين شقيقاتها من أكملت
تعليمها، ولذلك كان تعليم الفتيات أحد المحاور الرئيسية بأفلام عطيات الأبنودي
عن النساء والفتيات، ومن خلال السطور التالية سوف نتعرض بشئ من التفصيل لبعض
النماذج من أفلام عطيات الأبنودي التي أولت فيها اهتمامًا مباشرًا للمرأة
وقضاياها وكيف عبرت عن هذا الاهتمام والانحياز سينمائيًا.
أغنية توحة الحزينة ووجهة النظر:
يتبع فيلم "أغنية توحة الحزينة" (إنتاج عام 1971- 12 دقيقة) مجموعة من فناني
الشارع لاعبي الأكروبات ومقدمي فن الأراجوز الذين يجوبون الشوارع بحثًا عن
الرزق وقوت اليوم بعرض حركاتهم ورقصاتهم على المارة وسكان البيوت الذين
يشاهدونهم من شرفات منازلهم. على الرغم من أن الفيلم يتعرض بشكل عام لتلك الفئة
المهمشة والمحرومة ويفرد لوجودهم وظهورهم على الشاشة مساحة الصدارة إلا أن
الأبنودي قررت أن تتعرض لتلك الفئة وأن تتطرق لهذا الموضوع من وجهة نظر امرأة،
بداية من عنوان الفيلم الذي يتضمن اسم امرأة "توحة" وهو ما يجعل المشاهد يعتقد
للوهلة الأولى أن الفيلم عن شخصية امرأة تُدعى توحة في حين أن الفيلم كما ذكرنا
سلفًا عن مجموعة من فناني الشارع، ثم يأتي العنصر الأهم وهو عنصر وجهة النظر
حيث أن الرواي الذي يُعلق على الفيلم يتحدث بلسان امرأة، وليس هذا فحسب ولكننا
ومن خلال متابعتنا لهؤلاء الفنانين الذين ربما ينتمون إلى نفس العائلة لا
نستطيع إلا أن نلاحظ تركيزها على الفتيات فقد خصصت جل زمن الفيلم القصير بعض
الشئ لمتابعة الأب وهو يقوم بتدريب فتياته بأعمارهن المختلفة على أداء
الأكروبات والرقصات، نظرات الفتيات أثناء رقصهن في الشارع للمارة وما يكسوها من
حزن وشقاء وطريقة تعاملهن مع نظرات المارة الذين يتفحصون أجسادهن وهن تؤدين
الأكروبات أو الرقصات. بشكل غير مباشر ودون ضجيج ودون حوارات مع العينات
البشرية نفسها يشرحون من خلالها معاناتهم بالكلمات، عبرت الأبنودي من خلال
لقطات وجيزة قد لا يتعدى زمن بعضها دقيقة أو دقيقتان عن"ليل الغلابة الطويل" عن
تلك المعاناة، عن ذلك الإهمال، عن ذلك العوز، وعن انكسار النفس البشرية الذي
يتقاسمه الرجال والنساء، ولكنها تعود لتركز على الفتاة التي يعبر عنها صوت
الراوي حين يقول "الدنيا كورة نطاطة..ضحكت وأنا مش عايزة أضحك..وضحكوا ناس
وزهقوا ناس..والدنيا كورة وفيها ناس ضلت بتتفرج على ناس..وأنا مادة إيدي".
بشكل عام وبوضع فيلم "أغنية توحة الحزينة" في سياق مجمل أفلام عطيات الأبنودي
قد نستنج أن ذلك التركيز –أقصد تركيزها على الفتيات في الفيلم- يأتي ضمن إطار
وجهة نظرها عن أهمية تعليم وتثقيف الفتيات، فربما لو نالت هؤلاء الفتيات قسطًا
لا بأس به من التعليم لما كن امتهن فنون الشارع وكان اختلف مصيرهن كل الاختلاف.
نساء مسئولات .. بعيدًا عن ظل الرجل
تبدأ عطيات الأبنودي فيلمها نساء مسئولات (إنتاج عام 1994-27 دقيقة) وهي تتفحص
وجوه السيدات في أحد شوارع القاهرة المزدحمة على أنغام أغنية "يا دبلة
الخطوبة" للفنانة الراحلة شادية، ثم تعلق بصوتها الرخيم والحنون في الوقت نفسه
بأن النساء أصبحن لأسباب كثيرة هن المسئولات، في تناقض واضح مع صوت أغنية شادية
"يا دبلة الخطوبة" التي ترسخ لفكرة الزواج وظل الرجل الذي هو أفضل من ظل
الحائط، فأصبحت النساء تحتمين بأنفسهن وبسواعدهن، ليتحملن أعباء ومسئوليات
الحياة الاجتماعية والزوجية في الوقت الذي احتفى فيه الرجل بظله وحائطه، ويعتبر
فيلم نساء مسئولات من أوائل الأفلام سواء التسجيلية أو الروائية التي تتعرض
لفكرة المرأة المعيلة.
لا تتعرض الأبنودي من خلال فيلمها فقط لفكرة المرأة المعيلة والنساء المسئولات
وفقط ولكن لكل ما يترتب على غياب الرجل، من خروج المرأة للعمل وربما في أحيان
كثيرة خروج الأطفال أنفسهم للعمل وهو الأمر الذي يحد من فرصهم في الحياة وفي
مستقبل أفضل من ذلك الذي حظي به والديه. غياب الرجل في الفترة التي فر معظمهم
إلى دول الخليج بحثًا عن مروحة أو تلفزيون، ثم عادوا لينفقوا أموال الخليج بشكل
استهلاكي ليعودوا من جديد كما كانوا قبل أن يسافروا لتنزل زوجاتهم وبناتهم
بحثًا عن العمل، حتى أنهن ينسين أنفسهن وينخرطن في حياة فرضت عليهن دون رغبة
منهن، مثلما تقول "صابرين" إحدى بطلات الفيلم بالضبط بأنها لم تحلم حيث لم يكن
هناك متسع من الوقت للأحلام.
من أكثر ما يميز أفلام المخرجة الراحلة عطيات الأبنودي أنها أفلام تحتمل العديد
من التأويلات، فعلى سبيل المثال في فيلم "نساء مسئولات" نجد أن الفيلم ليس فقط
عن السيدات ولكنه تعدى تلك الفكرة إلى الحد الذي وصل به لأن يقدم تشريحًا
للطبقة الوسطى ومشكلاتها في تلك الفترة، كما رصد المتغيرات المجتمعية التي طرأت
على المجتمع المصري بشكل عام وعلى الطبقة الوسطى بشكل خاص حيث فكرة السفر بحثًا
عن أموال الخليج، كما رصدت المتضرر الأعظم من كل تلك المتغيرات وهي المرأة،
السيدة التي فجأة تقع على عاتقها كل المسئوليات، وكل الهموم والمشكلات حتى تلك
التي تتعلق بقوانين الأحوال الشخصية التي عفا عليها الزمن، والتي على الرغم من
كونها قوانين من المفترض أنها ترد الحقوق لأصحابها إلا أنها في واقع الأمر تزيد
من صعوبة موقف المرأة في حالات الطلاق وهجر الزوج.
ثم كعادتها في معظم أفلامها تختم الأبنودي الفيلم ببريق من الأمل، بمجموعة نساء
متفتحات قررن أن يعملن بجمعية حماية البيئة بمنشية ناصر، نماذج أيضًا لسيدات
بسيطات لم ينلن قسطًا من التعليم ولكن معظمهن قررن أن يعشن لتنمية أنفسهن
وتربية أبنائهن وتعليمهم.
أحلام البنات .. المرأة هي الأصل
تعود عطيات الأبنودي من خلال فيلم "أحلام البنات" (إنتاج عام 1995- 23 دقيقة)
لتتعرض لفكرة تعليم الفتيات من خلال إحصائيات رصد سريعة لعدد الفتيات في مصر
والذي وصل إلى سبعة ملايين فتاة في سن التعليم، ثم تذكر أن عشرين بالمائة فقط
من هذا العدد هن من يلتحقن بالمدارس للتعليم، ثم تستطرد الإحصائيات إلى عدد
ونسبة الفتيات اللاتي يكملن المرحلة الأولى من تعليمهن لتتضاءل النسبة فيما بعد
نتيجة لزواج الفتيات المبكر الذي يقتضي خروجهن من مراحل التعليم المختلفة، ثم
أهدت فيلمها إلى الفتيات اللاتي مازلن يحلمن بحياة أفضل رغم ظروف الحياة،
فتتبلور فكرة الفيلم منذ الثواني الأولى والتي تركز على أحد أهم هواجسها
وهمومها في الحياة وهو "تعليم الفتيات" وعلى تلك المأساة التي تعيشها الكثير من
الفتيات المصريات وخاصة الريفيات من حرمانهن من التعليم من أجل البقاء في
المنزل لتحمل أعباء زوجية ومعيشية في سن مبكرة جدًا.
آثرت الأبنودي أن تبدأ الفيلم ببعض العبارات على لسان إحدى الشخصيات النسائية
والتي توضح من خلالها أن الحرمان من التعليم ليس أكثر ظلم تتعرض له الفتاة ولكن
"الصمت" وقبول الواقع والظلم تحت شعار الرضا هم أسوأ بكثير والأكثر تأثيرًا في
نفوس الفتيات وتنشئتهن، هذا الصمت الذي يجعلهن يعشن بمخاوفهن وأمراضهن النفسية
والجسمانية دون التصريح بها وهو ما يؤدي إلى عدم حلها أو علاجها لتتحول إلى
مشكلات وأمراض مزمنة تنتقل بالتبعية من جيل إلى جيل.
في فيلم أحلام البنات تبدأ عطيات الأبنودي حكايات البنات بالتلميح وبشكل واضح
بأن كل شئ يدور حول المرأة وفي فلكها فتُقدم شخصيات الفيلم عن طريق نسبهم
للشخصية الرئيسية التي يبدأ الفيلم بالتعرف على قصتها "جملات" ومدى علاقتهم
وقرابتهم بها لنتعرف أولًا على "جملات" نفسها ثم "أبو جملات" "أم جملات" و"أخو
جملات"، وما تحمله هذه الرؤية من خروج عن السائد والمألوف المُتعارف عليه في
تقاليد وعادات المجتمع المصري حيث لا يتم التصريح بأسماء الفتيات أو السيدات أو
حتى الأمهات ويتم الاستعاضة عن ذلك بتكنيتها بزوجة فلان وأم فلان لتتلاشى هوية
السيدة ويتضاءل كيانها وتنحصر أدوارها في الحياة إلى الأدوار الفسيولوجية
والبيولوجية فقط كأن تحمل وتلد وترضع الأطفال وفقط، وهو ما يدلل على أنه وإلى
أي مدى كانت الأبنودي تؤمن بضرورة احترام المرأة ككيان مستقل.
تعرض الأبنودي من خلال حكاية جملات النموذج الذي تقدره للفتاة، حيث أن جملات
تعرضت لظلم والدها الذي زوجها من ابن خاله على غير رغبتها وهي في سن الحادية
عشرة أي في سن الطفولة، لتتحمل عدة سنوات من الظلم والتجاهل والتحامل إلى أن
تقرر في النهاية أنها لن ترضخ لرغبة والدها وأنها لن تعود لزوجها بل وجاسرت
بإعلانها عن رغبتها في الطلاق.
ثم تتطرق إلى نموذج أخر قوي ومشرق ومشجع وهو نموذج سناء وشقيقاتها اللاتي بدأن
سنوات طفولتهن المبكرة بالتجول بعربة لجمع القمامة، ولم تنل أي منهما أي قسط من
التعليم حتى وصلن لسن الشباب ثم تعلمن من خلال فصول محو الأمية لتتحول سناء من
الفتاة التي لا تفقه أي شئ ولا تستطيع تميز الحروف من الأرقام إلى فتاة تعمل
بأعمال السكرتارية بمصنع كارتون تجيد الكتابة على الآلة الكاتبة باللغتين
العربية والإنجليزية.
على الرغم من جدية المحاور الإنسانية التي يتعرض لها الفيلم والتي تتعلق بكم
الظلم والقهر التي تتعرض له الفتيات في مصر خاصة في الريف إلا أن الأبنودي كان
لديها إيمان راسخ بقدرة الفتاة المصرية وإرادتها القوية لتخطي ذلك الظلم وذلك
القهر ولو بعد حين، تلك الإرادة التي جعلت سناء تتعلم وهي في سن الشباب وهي
أيضًا التي جعلتها تحلم بالسفر إلى الخارج لتُحسن مستوى تعليمها وعيشها، وهي
الإرادة التي جعلت فتيات صغيرات مثل "سهير" و"محبات" الطفلة التي تعي أن
"العلام نور" الطفلة التي تُدرك أنها يجب أن تُعلم كي تُعلم أولادها في
المستقبل والتي تحلم بأن تكون طبيبة في المستقبل، فتيات لم يلتحقن بالتعليم
بالرغم من أنهن مازلن في سن صغيرة يقررن أن يلتحقن بفصول محو الأمية ويتعلمن
ويتفوقن على أقرانهن ممن يذهبن إلى المدرسة بشكل منتظم.
وعلى الرغم أيضًا من سماع عطيات الأبنودي ومعايشتها لقصص هؤلاء الفتيات على أرض
الواقع فإنها لم تتخل عن تفاؤلها لهن ولمستقبلهن فبدأت وختمت فيلمها على أنغام
الأغنية الشهيرة للفنانة "سعاد حسني" وما يحمله صوت سعاد من بهجة وما تحمله
كلمات الأغنية من تفاؤل وأمل وفرحة.
راوية .. فنانة الفخار صاحبة القرار
من جديد في فيلم "راوية" (إنتاج عام 1995- 16 دقيقة) تتعرض عطيات الأبنودي إلى
نموذج من النماذج التي تستهويها بل وتؤمن بها نموذج "راوية" أحد النماذج
المشرقة والمشرفة للمرأة المصرية، "راوية" السيدة التي ساقها قدرها التعس وحظها
العسر إلى اكتشاف موهبتها الفنية في صنع وتشكيل الفخار في مدرسة تونس التي
أسستها الفنانة "ايفيلين بوريه" بقرية تونس في الفيوم. نموذج يعطي أمل ويبعث
على التفاؤل كما أنه يؤكد على قناعة عطيات الأبنودي وإيمانها الراسخ بقدرة
المرأة المصرية على تحدي ظروفها مهما كانت صعبة وقاهرة والخروج إلى المستقبل من
أضيق منافذ الأمل.
يبدأ الفيلم براوية وهي تقوم بكتابة اسمها بنفسها ثم تتحدث عن حلمها بالسفر إلى
الخارج رغم وعيها الكامل بضرورة الوجود في الوطن والعمل فيه كي يرتفع شأنه
وتتحقق تنميته، تتحدث راوية بوعي يسترعي انتباه المشاهد عن احساسها بنفسها وما
تريده لنفسها ومستقبلها، عن رغبتها في أن تعتمد على نفسها وأن تكون هي نفسها
عونًا لنفسها ولا تعتمد على أحد. راوية التي عانت الأمرين من تسلط والدها
وتحكمه فيها من منطلق أنه الرجل وأمره نافذ حتى فيما يخصها ويخص مستقبلها، تقف
أمامه راوية وترفض أن يأخذ شبكتها التي أحضرها لها خطيبها كي يبيعها وينفق
ثمنها في مصر على السيدة الأخرى التي حبها وترك زوجته وبناتها من أجلها، ليُلقي
بموقد النار على وجهها لتشتعل النيران في وجهها وجسدها، وحينما تقابل الفنانة
ايفيلين راوية في المستشفى بعد الحادث تعرض عليها أن تأتي إلى مدرسة الفخار
لتتعلم وتعمل بها وبالفعل تصبح اوية أول فتاة تعمل بمدرسة الفخار بقرية تونس
بالفيوم.
من خلال نموذج راوية تتعرض عطيات الأبنودي لنموذج الفتاة التي تعلم بالضبط ماذا
تريد، التي قررت أن تتمرد على ظروف بيئتها ومجتمعها الذي يزوج الفتيات في سن
صغيرة، فترفض الزواج والجلوس في المنزل وتقرر أن تظل تتعلم وتعمل بمجال الفخار
وألا تتزوج كي لا تقع تحت سلطة رجل يتحكم فيها ويمنعها من السفر إلى الخارج،
حلمها الكبير، قررت راوية أن تشكل حياتها ومستقبلها كما تشكل الفخار على عجلة
الفخار الكهربائية.
بطلات مصريات .. فرصة جديدة أمل جديد
من جديد تتعرض عطيات الأبنودي من خلال فيلم بطلات مصريات (إنتاج عام 1997-16
دقيقة) إلى مجموعات مختلفة من النساء والفتيات من قرى ومحافظات واللاتي اقتنصن
فرصة جديدة من الحياة التي جارت على حقهن في الحياة وخاصة حقهن في التعليم وذلك
بعد توافر فصول محو الأمية، فالتحقن بها وتعلمن وغيرن روتين الحياة اللاتي كن
يعيشنها، فأصبحن يقرأن الجرائد اليومية وأصبحن يساعدن أبنائهن في القراءة
والكتابة واستذكار دروسهم. |