توجيه الخط الايروتيكي صوب الحيوان
مفعولاً به وفاعلاً، بحسب جنس الموجه، وهذا النمط له
تراث عريق ايضاً، ويراه الكثيرون اخف وطأةً، اخلاقياً
ودينياً، من غيره من الانماط، وما يزال يمارس لاسيما
في القرى المقموعة، وفي الفراغ الحضاري الذي تعيشه
أوربا حالياً..
وهو في التراث الايروتيكي العربي،
موجود، بوصفه نمطاً غريباً، غالباً ما يكون تعويضاً عند
الرجال، أي يكون طارئاً لتعويض غياب المرأة جنسياً، فيما يكون،
بحسب هذا التراث، متأصلاً وغير قابل للتعويض عند المرأة، في
ايماءة خفية إلى الشهوية الخطرة التي تمثلها المرأة، ففي
الجانب التعويضي ((يمكن للرجل ان يكف في حال مجيء البديل
الانثوي عن الحيواني)). فيما تفضل المرأة الموت على الاستبدال.
ويحاول هذا التراث تفسير هذه الظاهرة
تفسيراً جنسياً محضاً، فالحيوان اقوى وادوم شهوةً واطوع لمالكه
من الاخر الذي يقطع الحوار متى شاء او يوجهه، ويمكن لهذا
التفسير ان يجعل من الجنس الحيواني صورة من صور الاستمناء
بالواسطة او بالنيابة، لاسيما في مستواها التخيلي الواجب
الحضور في الفعل الايروتيكي. بمعنى ان الممارس يتخيل الآخر
وليس الحيوان الذي يمارس معه، ونقطة القطيعة هذه تجعل من
الحيوانية جنساً احادياً واستمناءً بالنيابة. وهي بالتالي
تعبير عن العجز او الحاجة الطارئة وليست اختياراً واعياً لهذا
النمط، حتى في حال النساء الرافضات للاستبدال، لأن هذا
الاستبدال ممكن في حال توافر شروطه.
وفي الخطاب السينمائي، يقل توظيف هذا
النمط، لأنه في الغالب يضفي طابعاً غير مريح على البعد
الايروتيكي لأن تحققه الفعلي في الواقع يتم بمعونة الخيال،
الذي تعجز السينما عن التماهي معه في حال توظيفها لهذا النمط.
غير ان هذا لا يعني اهمال القيمة الدلالية في توظيف الحيوانية
في السينما وهي قيمة ابعد ما تكون عن الشهوانية الخالصة،
منفردة بذلك عن كل الانماط الاخرى إلا في افلام البورنو التي
تصر على منح هذه الحيوانية طاقة ايروتيكية وفقاً لأستيهامات
الواقع وسعياً إلى تمثيلها بصرياً. وفي السينما السائدة التي
يندر فيها توظيف هذا النمط، تكون الدلالة المرادة منه هي تحقيق
معنى الاستبدال، تعبيراً عن المرض النفسي او الانحطاط، وهو ما
يعني افقاد هذا النمط لايروتيكيته وفق تحويلها إلى صيغة مرضية،
فيها الكثير من السرية والعجز، ففي فيلم (بيضاوة) لـ (عبد
القادر لقطع) يسرق الجزار قطعة من الملابس الداخلية للبطلة
التي يعجز عن اغوائها ثم يلبسها لأحدى الذبائح متخيلاً انها
البطلة، في ترميز إلى مرضه النفسي، الذي هو بحسب الفلم صورة عن
المرض الاجتماعي العام، ووفقاً للترميز ايضاً ولكن بسريالية
جميلة يومئ فيلم (رأفت الميهي) المعنون (سمك ، لبن، تمر هندي)
إلى الحيوانية عندما يولد ابن احد الشخصيات براس حمار، ويعتمد
الفلم التورية في تحقيق هذا الرمز فهو يوري بالغباء الذي هو
المعنى القريب، عن الانحطاط الذي هو المعنى المراد ولكن ثمة
ايماءة تقلب القراءة في هذه التورية وهي ان التراث الايروتيكي
العربي يرى ان ((ماء الحمار يغلب على الولد)). ومعنى هذا ان
العلاقة المورى عنها انما هي بين الام والحيوان وليس بين الاب
والحيوان، ولكننا بحسب سياق الفيلم، نشك بكون المخرج قصد هذا
الاتجاه من التورية بل ربما لم يقصد حتى البعد الايروتيكي
فيها، بل ارادها عبثاً سريالياً ينقل المقولة الشائعة عند غباء
الحمار وتشبيه البلداء به، إلى تحقق بصري غايته مماهاة الخيال
بالواقع.
فيما ينبني (ماكس حبيبي) لـ(ناغيزا
اوشيما) على رؤية الغرابة في العاطفة بين قرد وامرأة، وهي رؤية
تتضمن الجنسي دون ان يكون هدفها بالضرورة وكأنها تعبير عن
انقطاع الصلة بالآخر، وهو ما يعطي الفلم معنىً تعويضياً ولكن
على مستواه العاطفي، لا على مستوى الايروتيكا المتحققة فيه،
ويبني الان باركر فيلمه (بيردي -الطائر) على رؤية ما يمكن ان
يسمى (بجنس البراءة) بين البطل والعصفورة (بيرتا) وهي رؤية
تعبر عن الحرية والنقاء متمثلة برمزية الطيران، حيث ينقطع
البطل عن العالم الخارجي ويكتفي بالعزلة مع طائره الصغير،
فالعزلة هنا هي رفض للواقع الدنيء الذي سيتوج بحرب فيتنام،
وموت (بيرتا) وصراخ البطل المستمر، هو الشيء الوحيد الذي يملكه
ضد الحرب، مما يجعله يفقد صوابه ويدخل المصحة.
واما اكثر هذه الافلام تصريحاً
بالحيوانية وبناءً عليها فهو فيلم (بازوليني) المعروف (حظيرة
الخنازير) حيث يحكي القسم الثاني من الفيلم عن ابن صناعي يرفض
الزواج لأنه يمارس الجنس مع الخنازير التي تنتهي بالتهامه
وقد فسر الفلم وفقاً لتصريح (بازوليني)
نفسه تفسيراً استعارياً حيث ((يعيش ابن الصناعي في عالم من
الخنازير البشرية، فلطالما قورن ابواه بالخنازير وشبه العالم
حولة بزريبة خنازير)) وهذا التفسير الذي يوازي بين البرجوازيين
والخنازير، لا يعني ان الفيلم قد وقع تحت هذه المباشرة كما لا
يعني ان القراءة النقدية يفرض عليها الالتزام بهذا التفسـير ،
فبازوليني نفسه يرفض المطابقة المباشرة بين وعيه وادائه. وعليه
فأنّي ارى بعداً آخر لهذه الحيوانية، وهو بعد مبني على التراث
الشعبي والديني، فمعلوم ان الخنازير محرمة عند المسلمين
واليهود ومحللةّ عند المسيحيين، رغم ان التراث التوراتي جزء من
البنية المسيحية ومعلوم ايضاً ان المسخ الذي وقع لأصحاب
اوديسوس، كان إلى خنازير، وانهم كادوا يأكلون رفاقهم على هذه
الصفة، ومعلوم اخيراً، ان التعبير الشعبي عن الخنزير انما هو
كناية عن المنحط جنسياً، المغرق في بهيميته الجنسية لا سيما في
المخيلة الايطالية. ومن خليط هذه المعلومات يمكن ان نقول ان
صفة المباشرة، رغم استعاريتها التي تحدث عنها بازوليني في
تصوير علاقة البرجوازيين ـ الخنازير، انما تمثل مستوىً اول في
قراءة الفيلم، لأن الفيلم في عمومه حكاية عن الرفض والسعي إلى
الاختلاف باعتراف بازوليني نفسه دون ان يسعى الرافض إلى صدمة
المتلقي لأنه في شغلٍ بنفسه عنه أي ان هذا الرفض انما هو خلاصة
محنة الوجود في الانحطاط، رغم ان المفترض ان لا يقع مثل هذا
الوجود، وتعبيراً عن هذه المفارقة يذهب الرفض إلى ابعد ما
يمكنه، بوصفه موقفاً ينأى عن التفسير والعقلنة تماماً كنأي
الوجود عنهما.
فبطل القسم الاول من الفيلم يقتل اباه
ويأكل لحوم البشر ويعلن ذلك بفرح وابتهاج، وبطل القسم الثاني
يضاجع الخنازير حتى الموت التهاماً، وهو فرح باختياره الذي هو
خلاصة من عفن الماحول، لا بوصف البرجوازية وحدها بل بوصف
الماحول حضارياً بكل تجلياته واشكاله، فالاختيار انما هو ايغال
في اعلان الرفض الشامل لكل ما تمثله الحضارة، دون تفريق بين
شكل وآخر.